ارتسم في الحسّ المشترك وزال قبل أن ينمحي (٢) الصّورة من الحسّ المشترك ، أدركه الحسّ الظاهر حيث هو ، وأدركه الحسّ المشترك كأنّه كائن حيث كان فيه ، وكائن حيث صار إليه فرأى امتدادا مستديرا أو مستقيما. وذلك لا يمكن أن ينسب إلى الحسّ الظّاهر البتّة ، وأمّا (٣) المصوّرة فتدرك الأمرين وتتصوّرهما ، وإن بطل الشيء وغاب.
ثمّ القوّة التي تسمّى متخيّلة بالقياس إلى النّفس الحيوانيّة ، ومتفكّرة (٤) بالقياس إلى النّفس الإنسانيّة ، وهي قوّة مرتّبة في التّجويف الأوسط من الدّماغ عند الدّودة ، من شأنها أن تركّب بعض ما في الخيال مع بعض ، وتفصل بعضه عن بعض بحسب الإرادة.
ثمّ القوّة الوهميّة ، وهي قوّة مرتّبة في نهاية التّجويف الأوسط من الدّماغ ، تدرك المعاني الغير (٥) المحسوسة الموجودة في المحسوسات الجزئيّة ، كالقوّة الموجودة في الشاة ، الحاكمة بأنّ هذا الذئب مهروب عنه ، وأنّ هذا الولد هو المعطوف عليه ، ويشبه أن تكون هي أيضا المتصرّفة في المتخيّلات تركيبا وتفصيلا.
ثمّ القوّة الحافظة الذاكرة ، وهي قوّة مرتّبة في التّجويف المؤخّر من الدّماغ ، تحفظ ما يدركه (٦) القوّة الوهميّة من المعاني الغير (٧) المحسوسة في المحسوسات الجزئيّة ، ونسبة القوّة الحافظة إلى القوّة الوهميّة كنسبة القوّة التي تسمّى خيالا إلى الحسّ (٨) المشترك ، ونسبة تلك القوّة إلى المعاني كنسبة هذه القوّة إلى (٩) القوّة المصوّرة ، فهذه هي قوى النّفس الحيوانيّة». ـ انتهى كلامه ـ.
وقال أيضا في الفصل الذي فيه قول كلّي على الحواسّ الباطنة التي للحيوان هكذا (١) : «وأمّا الحسّ المشترك ، فهو بالحقيقة غير ما ذهب إليه من ظنّ أنّ للمحسوسات المشتركة حسّا مشتركا ، بل الحسّ المشترك هو القوّة التي (١٠) يتأدّى إليها المحسوسات كلّها ، فإنّه لو لم تكن قوّة واحدة تدرك الملوّن والملموس ، لما كان لنا أن نميّز بينهما قائلين إنّه ليس
__________________
(٢) في المصدر : أن تمحى ...
(٣) وأمّا القوّة المصوّرة ...
(٤) ومفكّرة بالقياس ...
(٥) غير المحسوسة ...
(٦) ما تدركه ...
(٧) غير المحسوسة ...
(٨) الحسّ ، ونسبة ...
(٩) إلى الصور المحسوسة ، فهذه هي ...
(١٠) التي تتأدّى.
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٤٥ ـ ١٥٠ ، الفصل الأوّل من المقالة الرابعة.