من آفة كلّ واحدة منها ومن أفعالها على آفة محلّها. فعلى هذا يكون الاختلاف بين الفريقين كثيرا في ذلك.
وبالجملة من المعلوم أنّ الفريقين مختلفان في طريق إثبات تلك القوى ، وأنّ الأطبّاء استدلّوا عليها بعروض الآفات على مواضعها ومحالّها كما ذكر.
وأمّا الحكماء ، فالعمدة في دليلهم على وجودها وتعدّدها ومغايرة بعضها لبعض ، وكذا للحواس الظّاهرة إنّما هو مشاهدة الآثار والأفعال المختلفة التي تدلّ على وجودها وتعدّد مباديها واختلافها. وقد يستدلّون أيضا نادرا على ذلك بما استدلّ به الأطبّاء. فلنذكر نبذا ممّا قالوه في ذلك ، ونتبعه بالتوضيح إن احتاج إليه.
فنقول : قال الشّيخ في «الشّفاء» في فصل تعديد قوى النّفس الإنسانيّة هكذا (١) : «ومن (٢) القوى المدركة الباطنة الحيوانيّة قوّة بنطاسيا (٣) ، والحسّ المشترك ، وهي قوّة مرتّبة في التجويف الأوّل من الدّماغ ، تقبل بذاتها جميع الصّور المنطبعة في الحواس الخمس المتأدّية إليه ، ثمّ الخيال والمصوّرة ، وهي قوّة مرتّبة أيضا في آخر التّجويف المقدّم من الدّماغ ، تحفظ ما قبله الحسّ المشترك من الحواسّ الجزئيّة الخمس ، ويبقى فيه بعد غيبته (٤) تلك المحسوسات.
واعلم أنّ القبول لقوّة غير القوّة التي بها الحفظ ، فاعتبر ذلك من الماء ، فإنّ له قبول النّقش والرّقم ، وبالجملة الشكل ، وليس له قوّة حفظه ، على أنّا نزيدك لهذا تحقيقا من بعد. وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فعل الحسّ (٥) العامّ وفعل الحسّ المشترك وفعل المصوّرة ، فتأمّل حال القطرة التي تنزل من المطر فترى خطّا مستقيما ، وحال الشيء المستقيم الذي يدور فيرى طرفه دائرة ، ولا يمكن أن يدرك الشيء خطّا أو دائرة إلّا ويرى فيه مرارا. والحسّ الظّاهر لا يمكن أن يراه مرّتين ، بل يراه حيث هو. لكنّه إذا
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٣٥ ـ ٣٧ ، الفصل الخامس من المقالة الاولى.
(٢) في المصدر : فمن القوى ...
(٣) بنطاسيا وهي الحسّ ...
(٤) بعد غيبة تلك ...
(٥) الحسّ الظاهر وفعل.