البطن المؤخّر من الدّماغ.
والقسم الثاني ، أعنى المدركة المتصرّفة ، هي القوّة التي تسمّى مفكّرة بالقياس إلى النّفس الإنسانية النّاطقة ، ومتخيّلة بالقياس إلى النّفس الحيوانيّة. وينبغي أن تكون في الوسط مع الوهم ، لتكون قريبة من الصّور والمعاني حتّى تركّب بينهما بسهولة ، لأنّه من شأنها تركيب بعض الصّور مع بعض ، أو بعض المعاني مع بعض ، أو بعض الصّور مع بعض المعاني. فتارة يكون ذلك على وفق الخارج ، وتارة يكون مخالفا ، كإنسان يطير ، وجبل من زمرّد.
وأقول : ومنه يعلم أن لا خلاف بين الحكماء والأطبّاء في مواضع تلك القوى ، إلّا في أنّ الحكماء قسّموا كلّا من البطون الثلاثة إلى قسمين ، وجعلوا كلّ قسم موضع قوّة ، إلّا القسم الأخير من البطن الأخير ، والأطبّاء لم يفعلوا ذلك ، وجعلوا كلّ بطن من البطنين الأوّلين موضع قوّتين ، والبطن الثّالث موضع قوّة واحدة. وهذا الخلاف أيضا يمكن أن يرتفع لو كان الأطبّاء قائلين بتغاير ما في البطنين الأوّلين من القوى ، أي قالوا بالمغايرة بين الحسّ المشترك والخيال ، وكذا بين المفكّرة والوهم كما هو الاحتمال ، حيث إنّ القوى المتغايرة يستدعي كلّ واحدة منها موضعا غير ما للاخرى ، فيعلم منه أنّهم أيضا جعلوا كلا من البطنين الأوّلين قسمين ، وجعلوا كلّ قسم موضعا لقوّة ، وإن لم يعلم منه أيّ قسم موضع لأيّة قوّة ، وأنّ موضع الحسّ المشترك مثلا هو مقدّم البطن المقدّم أو المؤخّر منه ، وكذا موضع الوهم مثلا أهو مقدّم البطن الثّاني أو مؤخّره؟ وهذا أيضا نوع اختلاف بين الفريقين ، وكذلك على هذا التقدير ، أي القول بتغاير تلك القوى ، يرتفع الخلاف بين الفريقين في عدد القوى ، فإنّه عند الجميع خمسة لا ثلاثة.
نعم لو كانت الأطبّاء قائلين بوحدة ما في كلّ بطن ، بطن ، كما يدلّ عليه كلام سديد الدين الكازروني في شرح الموجز ، حيث قال : «وأمّا عند الأطبّاء فإنّ المدركة في الباطن ثلاث قوى ، فإنّ الحسّ المشترك والخيال عندهم واحدة ، وكذلك المتخيّلة والوهم ، فيثبتون لكلّ بطن من بطون الدماغ قوّة واحدة ، ولا يحتاجون إلى غيرها ، لأنّهم يستدلّون