إلى الحكم. وقد جعل مكانها وسط الدّماغ ، ليكون لها اتّصال بخزانتي المعنى والصّورة. ويشبه أن تكون القوّة الوهميّة (١) بعينها المفكّرة والمتخيّلة والمتذكّرة ، وهي بعينها الحاكمة ، فتكون (٢) حاكمة ، وبحركاتها وأفعالها متخيّلة ومتذكّرة ، فتكون متخيّلة بما تعمل في الصّورة (٣) والمعاني ، ومتذكّرة بما ينتهي إليه عملها.
وأمّا الحافظة ، فهي قوّة خزانتها. ويشبه أن يكون التّذكّر الواقع بالقصد معنى للإنسان وحده ، وأنّ خزانة الصّورة هي المصوّرة والخيال ، وأنّ خزانة (٤) المعاني هي الحافظة ولا يمتنع أن يكون (٥) الوهميّة بذاتها حاكمة (٦) وبحركاتها متخيّلة وذاكرة». ـ انتهى كلامه ـ.
وقال ابن رشد المغربي في كتابه الموسوم بجامع الفلسفة ، بهذه العبارة : «القول في الحسّ المشترك وهذه القوى الخمس التي عددناها يظهر من أمرها أنّ لها قوّة واحدة مشتركة ، وذلك أنّه لمّا كانت هنا محسوسات لها مشتركة ، فها هنا إذا لها قوّة مشتركة بها تدرك المحسوسات المشتركة ، سواء كانت مشتركة لجميعها ، كالحركة والعدد أو لاثنتين منها فقط ، كالشكل والمقدار المدركين بحاسّة البصر وحاسّة اللّمس.
وأيضا فلمّا كنّا بالحسّ ندرك التغاير بين المحسوسات الخاصّة بحاسّة حاسّة ، حتّى نقضي مثلا على هذه التّفّاحة أنّها ذات لون وطعم وريح ، وأنّ هذه المحسوسات متغايرة فيها ، وجب أن يكون هذا الإدراك لقوّة واحدة ، وذلك أنّ القوّة التي تقضي على أنّ هذين المحسوسين متغايران هي ضرورة قوّة واحدة. فإنّ القول بأنّ القوّة التي بها يدرك التغاير بين شيئين محسوسين ليست بقوّة واحدة بمنزلة القول بأنّي أدرك المخالفة التي بين المحسوس الذي أنا ، والمحسوس الذي أحسسته أنت وأنا لم أحسّه ، وهذا بيّن بنفسه.
وقد يوقف أيضا على وجود هذه القوّة من فعل آخر ليس يمكننا أن ننسبه إلى واحد من الحواسّ الخمس ، وذلك أنّا نجد كلّ واحد من هذه الحواسّ تدرك محسوساتها ، وتدرك مع هذا أنّها تدرك. فهي تحسّ الإحساس ، وكان نفس الإحساس هو الموضوع
__________________
(١) في المصدر : الوهميّة هي بعينها ...
(٢) فتكون بذاتها حاكمة ...
(٣) في الصور ...
(٤) خزانة المعنى ...
(٥) أن تكون ...
(٦) حاكمة متخيّلة ، وبحركاتها.