توضيحه : أنّه ظنّ بعضهم أنّ معنى الحسّ المشترك أنّه قوّة بها يحصل الإحساس بالمحسوسات المشتركة ، ومبناه على أنّ المحسوسات بعضها ما هي مختصّة بحاسّة حاسّة ، كالألوان المختصّة بالبصر ، والأصوات المختصّة بالسّمع ، والرّوائح المختصّة بالشّمّ ، والطّعوم المختصّة بالذّوق ، والحرارة والبرودة المختصّتين باللّمس.
وبعضها ما هي غير مختصّة بحاسّة واحدة ، بل هي إمّا مشتركة بين جميع تلك الحواسّ كالحركة والعدد ، وإمّا مشتركة بين أكثر من واحدة كالشّكل والمقدار حيث إنّهما مشتركان بين البصر واللّمس. وكما أنّ لكلّ من المحسوسات الخاصّة قوّة خاصّة ، كذلك لتلك المحسوسات المشتركة قوّة اخرى غير تلك القوى الخمس ، هي المسمّاة بالحسّ المشترك ، أي هو حسّ يدرك المحسوسات المشتركة.
وهذا الظّنّ باطل ، إذ لو كان معنى الحسّ المشترك ما ذكر ، لما كان لإثباته قوّة أخرى غير تلك الخمس وجه ، لأنّ تلك المحسوسات المشتركة التي ذكرت ، إنّما تدركها تلك الحواسّ الخاصّة أيضا ، إلّا أنّ مدركاتها على نوعين : نوع هو مدرك لها بالذّات ، ونوع هو مدرك لها بالواسطة وبالعرض. فمدرك البصر مثلا أوّلا وبالذّات وإن كان هو الضّوء واللّون ، إلّا أنّه يدرك تلك المحسوسات المشتركة أيضا ثانيا وبالواسطة. وكذلك الحال في اللّمس وسائر القوى الأخرى ، ولا محذور أيضا أن يتعدّد إدراكات قوّة واحدة ومدركاتها ، وأن يصدر عن الواحد أكثر من واحد إذا لم يكن ذلك الصّدور من جهة واحدة ومن حيثيّة واحدة ، بل أن يكون بعضها بالذّات وبعضها بالعرض ، وبالجملة أن يكون من حيثيّات متعدّدة.
وحيث بطل هذا الظّنّ ، بطل الوجه الأوّل الذي ذكره ابن رشد في إثبات الحسّ المشترك ، إذ هو مبنيّ على هذا الظّنّ ، وعلى أنّ معنى الحسّ المشترك هو ذلك.
بل أنّ معنى الحسّ المشترك كما هو مبنى الوجه الثاني الذي ذكره ابن رشد ، أنّه القوّة التي يتأدّى إليها المحسوسات ، أي محسوسات الحواسّ الظّاهرة كلّها ، سواء كانت تلك المحسوسات محسوسات مختصّة ، أو محسوسات مشتركة ، بل قد يتأدّى إليها