محسوسات بعض الحواسّ الباطنة أيضا ، كما في من تعطّل حواسّه الظّاهرة ، واستولت المتخيّلة ونقشت في لوح هذه القوّة صورا كانت مخزونة في الخيال ، أو صورا ركّبتها من تلك الصّور المخزونة على طريقة انتقاشها فيه من الخارج ، على ما سيأتي بيانه.
فهذه القوّة قوّة تقبل بذاتها جميع الصّور المنطبعة في الحواسّ الظّاهرة ، وبعض ما في الباطنة المتأدّية لتلك الصّور إليها من طرق تلك الحواسّ ، سواء كانت تلك الصّور صورا خاصّة بحاسّة حاسّة ، أو مشتركة بينها.
وعلى هذا فمعنى كون تلك القوّة حسّا مشتركا ، أنّها حسّ مشترك بين محسوسات الحواسّ الظّاهرة كلّها مختصّاتها ومشتركاتها ، وأنّها تدرك محسوساتها كلّها ، لا اختصاص لها بإدراك محسوس حسّ خاصّ ، وكذا هي مشتركة بين محسوسات الحواسّ الظّاهرة كلّها ومحسوسات الحواسّ الباطنة في الجملة. فالقوّة الباصرة مثلا تبصر ولا تسمع ولا تشمّ ولا تذوق ولا تلمس ، وهذه القوّة تفعل الجميع ، أي تبصر وتسمع وتشمّ وتذوق وتلمس. وكذا الحال في سائر الحواسّ الظّاهرة ، فإنّ كلّ واحدة منها تدرك ما يختصّ بها من المحسوس ولا تدرك الجميع ، بخلاف الحسّ المشترك.
وبهذا يحصل الفرق بينها وبين الحواسّ الظّاهرة.
مع أنّه فيما بينها وبين تلك الحواسّ في إدراك ما يختصّ بكلّ واحدة فرقا أيضا ، وهو أنّ القوّة الباصرة ـ مثلا ـ إنّما تدرك المبصر إذا كانت النسبة المخصوصة محفوظة بينها وبين المبصر ، وأمّا هذه فتدرك المبصر وتثبت فيها الصّورة المأخوذة من خارج منطبعة فيها ، أي في الرّوح الّتي فيها هذه القوّة ، سواء كانت النسبة المذكورة بينها وبين المبصر محفوظة ، أو قريبة العهد.
وكذلك بينها وبين الحواسّ الباطنة التي تتأدّى الصّورة منها إليها فرق ، وهو أنّ الحسّ المشترك قابلة للصّور لا حافظة لها ، والقوّة الخياليّة مثلا حافظة لما قبلت الحسّ المشترك ، وذلك أنّه إذا غاب المبصر مثلا انمحت الصّورة عن الحسّ المشترك ولم تثبت زمانا يعتدّ به ، وأمّا الرّوح التي فيها الخيال مثلا فإنّ الصّورة تثبت فيها ، ولو بعد حين كثير ،