تكن تدرك أنّ هذا المسموع مذوق ملائم أو غير ملائم. وكذا لو لم يكن المبصر كالصّورة الخشبيّة مثلا تذكّرها صورة ودليلا لها على أنّ هذا المبصر ملموس متنفّر عنه ، يحصل من لمسها ألم لها حتّى تهرب منها ، لتعذّر عليها الحياة. وحيث كان كذلك ، فيجب ـ لا محالة ـ أن يكون لهذه المحسوسات مجمع واحد من باطن ، وقوّة باطنيّة مدركة لها ، وهو المطلوب.
وقوله : «وقد يدلّنا على وجود هذه القوّة ، اعتبارات أمور تدلّ على أنّ لها آلة غير الحواسّ الظّاهرة» ـ إلى آخره ـ».
استدلال بوجوه أخر على وجود هذه القوّة للإنسان ، ومبنى الوجهين الأوّلين على أنّ الدّوران والدّوّار كما ذكره إنّما يعرض بسبب حركة البخار في الدّماغ ، وفي الرّوح التي فيه ، أي الرّوح الّتي في البطن المقدّم منه ، وهي آلة للحسّ المشترك ، وذلك مقرّر بين الأطبّاء وحكماء الطّبيعيّين. فالاستدلال بالوجهين على ذلك ، لا غبار عليه على أصولهم.
وقوله : «وكذلك تخيّل استعجال المحرّك النّقطيّ مستقيما أو مستديرا على ما سلف من قبل» وجه آخر مشهور بينهم ، وبيانه يظهر ممّا نقلنا أوّلا من كلامه في فصل تعديد قوى النّفس الإنسانيّة.
وقد اكتفى في الإشارات بهذا الدّليل على وجود الحسّ المشترك في مقام بيان الدّليل المنفرد عليه.
وبيّنه المحقّق الطّوسي (ره) في شرحه ، بأن قال (١) : «والحاصل أنّ الموجود في الخارج كنقطة ، والمرئيّ كخطّ ، والنقطة المتحرّكة ترتسم في البصر عند وصولها إلى مكان ما يحدث (٢) بحسب المقابلة بينهما ، وتزول عنه بزوال المقابلة. والمقابلة إنّما تحصل في آن يحيط به زمانان لا حصول لها فيهما ، لكون الحركة غير قارّة ، فلو لا شيء آخر غير البصر ترتسم فيه تلك النّقطة ، وتبقى قليلا على وجه يتّصل الارتسامات المتتالية في البصر
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٣٣٣.
(٢) في المصدر : ما تحدث بحسبه.