الباطنة ، كما أنّ ما تقدّم مبناه على تأدّي الصّور إليه من قبل الحواسّ الظّاهرة. وبيان هذا الدليل ظاهر كما ذكره.
وقوله : «فهذه القوّة هي التي تسمّى الحسّ المشترك» نتيجة لما تقدّم من الوجوه ؛ وقوله : «وهي مركز الحواسّ ومنها ينشعب الشعب ، وإليها تؤدّي الحواسّ ، أي الحواس الظّاهرة مطلقا ، والحواسّ الباطنة في الجملة» ، وفيه دلالة على وحدة هذه القوّة من جهة ، وكثرتها من جهة أخرى ، وهو مطابق لما ذكره ابن رشد ، ومثّله موافقا لما هو المنقول عن المعلّم الأوّل بالخطوط التي تخرج من مركز الدائرة إلى محيطها ، حيث إنّ هذه القوّة كالمركز ، وتلك الحواسّ كتلك الخطوط الخارجة.
وقوله : «وبالحقيقة هي التي تحسّ» فيه دلالة على أمرين :
الأوّل أنّ هذه القوّة ممّا تحسّ ، وبيانه ظاهر ممّا تقدّم. والثّاني أنّ الحاسّ بالحقيقة هو هذه القوّة دون غيرها من الحواسّ ، وكأنّ وجهه أنّ الحواسّ الأخر لمّا كانت تحسّ من غير استثبات الصّورة فيها ، وكانت هذه تحسّ مع استثباتها فيها ، فكانت هي بالحقيقة تحسّ.
وقوله : «لكن إمساك ما يدركه هذه للقوّة التي تسمّى خيالا وتسمّى مصوّرة وتسمّى متخيّلة».
يعني أنّ إمساك ما يدركه الحسّ المشترك بعد غيبة المحسوس إنّما هو للقوّة التي تسمّى بهذه الأسامي باعتبارات مختلفة» وفيه دلالة على إثبات الخيال ، مع إشارة ما إلى أنّ الخيال غير الحسّ المشترك ، حيث إنّ الحسّ المشترك هو المدرك للصّور المحسوسة ، والخيال هو الممسك لها ، والممسك غير المدرك كما سيأتي وجهه.
وقوله : «وربّما فرّق بين الخيال والمتخيّلة بحسب الاصطلاح».
فيه إشعار بأن لا فرق بين الخيال والمصوّرة بحسب الاصطلاح ، فإنّهما واحدة ، وتسمّى مصوّرة وخيالا باعتبار إمساك الصّور فيها وحفظها لها ، كما يدلّ عليه كلامه الآتي ، حيث قال : «فصورة المحسوس يحفظها القوّة التي تسمّى المصوّرة والخيال» ،