الحيوان أيضا. ولا فرق في ذلك بين الإنسان والحيوانات العجم. فالإنسان أيضا إنّما يدركها بقوّته الحيوانيّة.
وقوله : «وهذه امور تدركها النّفس الحيوانيّة» فيه ـ مع التّصريح بما علم ضمنا من كون إدراكها من خواصّ النّفس الحيوانيّة بما هي حيوانيّة ـ دلالة على كون مدرك هذه الأمور مغايرا للنّفس الناطقة الإنسانيّة ، لأنّه لو كان عينها ، لما أدركها الحيوانات العجم التي ليس لها نفس ناطقة ، وهذا مع قطع النظر عن أنّ النّفس النّاطقة الإنسانيّة ـ بما هي نفس ناطقة ـ إنّما تدرك الكلّيّ من حيث هو كلّيّ ، وهذه الأمور أمور جزئيّة مخصوصة ، لا يمكن أن يدركها بالذّات ما هو مدرك للكلّيّ.
وقوله : «والحسّ لا يدلّها على شيء منها» فيه دلالة على مغايرة مدرك هذه الأمور للحسّ المشترك ، فإنّه وإن كان حاكما بين الجزئيات مدركا لها مميّزا بينها ، إلّا أنّ مدركاته يجب أن تكون متأدّية إليه من طرق الحواسّ مجتمعة عنده ، وهذه الأمور ليست كذلك ، لأنّها حيث لم يكن من شأنها أن تكون محسوسة ، كيف يمكن تأدّيها إليه من طرق الحواسّ ، فلا هي ممّا يتأدّى إليه من طرق الحواسّ الظّاهرة ـ وهذا ظاهر ـ ولا من طرق الحواسّ الباطنة كالخيال ، إذ ما في الخيال أيضا يجب أن يكون ممّا أن يتأدّى من طرق الحواسّ الظّاهرة ، وتكون مخزونة فيه.
وإنّما لم يشر إلى وجه مغايرتها للحواسّ الظّاهرة وللباطنة أيضا غير الوهم ، لظهور وجه المغايرة.
وقوله : «فإذن القوّة التي بها تدرك قوّة اخرى ولتسمّ الوهم» أي أنّه حيث ظهر أنّ مدرك هذه الأمور يجب أن يكون غير النّفس النّاطقة وغير الحسّ المشترك وغير الحواسّ الظاهرة وما سوى الوهم من الباطنة ، ظهر أنّ مدركها قوّة أخرى غير هذه ، ونحن نسمّيها الوهم ، وفيه المطلوب.
وقوله : «وأمّا التي تكون محسوسة ، فإنّا نرى مثلا شيئا أصفر ، فنحكم أنّه عسل وحلو ، فإنّ هذا ليس يؤدّيه إليه الحاسّ في هذا الوقت ، وهو من جنس المحسوس» بيان