للقسم الثّاني من المعاني ، وإثبات القوّة الوهميّة بإدراكه ، أي أنّا قد نرى مثلا شيئا أصفر ولم نر عسلا قطّ ، إلّا أنّا سمعنا أنّ العسل يكون أصفر وحلوا ، أو رأيناه وقتا ما ولم يثبت صورته في خيالنا أيضا ، فنحكم بسبب رؤيتنا شيئا أصفر أنّه عسل وحلو ، ولا شكّ أنّ هذا الحكم ـ حيث كان حكما جزئيّا ـ ليس الحاكم به أوّلا وبالذّات هو النّفس النّاطقة ، ولا الحسّ المشترك ، إذ هو ، وإن كان حاكما جزئيّا في المحسوسات ، إلّا أنّ مدركه يجب أن يتأدّى إليه من طرق الحواسّ ، والمفروض أنّ الصّورة العلميّة ليست كذلك ، لأنّها لم تتأدّ إليه في ذلك الوقت من طرق الحواسّ الظّاهرة ـ وهذا ظاهر كما هو المفروض ـ ولا من طريق الحواسّ الباطنة كالخيال مثلا ، لأنّ ما في الخيال أيضا ينبغي أن يكون متأدّيا من الحواسّ الظّاهرة إلى الحسّ المشترك ، ثمّ إلى الخيال حتّى يمكن تأديته ثانيا من الخيال إلى الحسّ المشترك ، وهذا ليس كذلك. إذا المفروض أنّا لم نر العسل قطّ ، وعلى تقدير فرض رؤيتنا له وقتا ما ، فالمفروض عدم ثبوت صورته في الخيال حتّى يمكن تأدّيها منه إليه. وظاهر أيضا أنّ الحاكم به ليس شيئا من الحواسّ الظّاهرة مطلقا ، ولا القوى الثلاث الباطنة ، أي الخيال والمتخيّلة والحافظة غير الحسّ المشترك ، فبقي أن يكون مدركة قوّة اخرى ، ونحن نسمّيها الوهم ، وفيه المطلوب.
وقوله «على أنّ الحكم نفسه ليس بمحسوس البتّة ، وإن كانت أجزاؤه من جنس المحسوس ، وليس يدركه في الحال ، إنّما هو حكم يحكم به ، وربّما غلط به وهو أيضا لتلك القوّة».
بيان لإثبات الوهم بوجه آخر ، ومعناه على أنّ هذا الحكم الجزئيّ نفسه ليس بمحسوس البتّة ، أي ليس كما يحكم الحسّ بما يشاهده من الحكم الفصل القطعيّ ، بل حكما جزئيّا تخييليّا ليس بفصل ، وليس معناه أنّ هذا الحكم ليس من جنس الصّور ، بل من جنس المعاني ، حتّى يرد أنّ الحكم مطلقا سواء كان حكما كلّيّا كحكم النّفس النّاطقة ، أو جزئيّا كحكم الحسّ المشترك ، كذلك ولا اختصاص له بحكم القوّة الوهميّة ، وبالجملة ، فهذا الحكم ليس كحكم الحسّ بما يشاهده من الحكم الفصل ، بل حكما ليس كذلك وإن