وقوله : «وهي الرئيسة الحاكمة في الحيوان حكما ليس فصلا كالحكم العقليّ ، ولكن حكما تخييليّا مقرونا بالجزئيّة وبالصّور الحسّيّة ، وعنه يصدر أكثر الأفعال الحيوانيّة».
فيه بيان لمعنى كون حكم الوهم ليس بمحسوس ، أي ليس بفصل كالحكم العقليّ وكحكم الحسّ بما يشاهده ، بل حكما تخييليّا ، وكذا فيه بيان لكون الوهم رئيسا في الحيوان للقوى الحيوانيّة. ومعنى رئاسته أنّه مستخدم لسائر القوى الحيوانيّة ، ولا سيّما الباطنة ، ولا سيّما المتخيّلة ، كما سيأتي. وإشارة إلى أنّه ـ حيث كان رئيسا للقوى الحيوانيّة ، وعنه يصدر أكثر أفعالها ـ ينبغي أن يكون آلتها الدّماغ كلّه ، أي الرّوح المصبوب في الدّماغ كلّه ، وأنّ ما ذكروه من أنّ آلتها التجويف الأوسط من الدّماغ أو المؤخّر منه إنّما هو لمزيد اختصاصه بذلك التجويف الأوسط والمؤخّر منه ، لأجل استخدام القوّة المتخيّلة المرتّبة في ذلك التجويف وفي المقدّم منه ، ولذلك قال في الإشارات : «وآلتها الدّماغ كلّه ، لكنّ الأخصّ بها هو التجويف الأوسط» (١).
وقوله «وقد جرت العادة بأن يسمّى مدرك الحسّ صورة ومدرك الوهم معنى» قد مضى معناه.
وقوله «ولكلّ واحد منهما خزانة» ـ إلى آخره ـ.
فيه إشارة إلى إثبات الخيال بعد ما أشار إليه أوّلا. وكذا فيه إشارة إلى إثبات الحافظة. وبالجملة ، ففيه إشارة إلى إثبات هاتين القوّتين بطريقين : أحدهما الطريق الذي يناسب مذهب الحكماء ، والآخر الطريق الذي يناسب مسلك الأطبّاء ، يعني أنّ لكلّ واحد من مدرك الحسّ ومدرك الوهم خزانة هي الحافظة لما يدركه المدرك له.
فخزانة مدرك الحسّ هي القوّة الخياليّة والمصوّرة وموضعها مقدّم الدّماغ ، أي آخر التجويف المقدّم من الدّماغ تحفظ ما قبله الحسّ المشترك من الحواسّ الجزئيّة الخمس ، ويبقى فيها بعد غيبة تلك المحسوسات ، فلذلك إذا حدثت في مقدّم الدّماغ آفة فسد هذا الباب من التّصوّر والحفظ ، وفساده إمّا بأن يتخيّل الخيال صورا ليست في الواقع ، وإمّا
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٣٤٥.