بأن يصعب استثبات الموجود فيه.
وخزانة مدرك المعنى هي القوّة التي تسمّى حافظة ، ومعدنها مؤخّر الدّماغ ، أي البطن المؤخّر منه ، ولا سيّما مقدّمة ، ولذلك إذا وقع هناك آفة وقع الفساد فيما يختصّ بحفظ هذه المعاني.
وقوله : «وهذه القوّة تسمّى أيضا متذكّرة ، فتكون حافظة لصيانتها ما فيها ، ومتذكّرة لسرعة استعدادها لاستثباته والتّصوّر بها ، مستعيدة إيّاها إذا فقدت».
بيان لأنّ هذه القوّة ـ أي الحافظة ـ تسمّى متذكّرة أيضا باعتبارين ، أمّا كونها حافظة ، فلصيانتها ما فيها من المعاني المتأدّية إليها من الوهم ، وأمّا كونها متذكّرة ، فلسرعة استعدادها لاستثبات تلك المعاني والتّصوّر بها ، مستعيدة لتلك المعاني إذا فقدتها بسبب من الأسباب وزالت هي عنها.
وقوله : «وذلك إذا أقبل الوهم بقوّته المتخيّلة» ـ إلى آخر ما ذكره ـ.
بيان لكيفيّة تذكّرها لتلك المعاني واستعادتها إيّاها واسترجاعها لها ، ومحصّله أنّه إذا فقدت القوّة الحافظة تلك المعاني ، ثمّ فرضنا أنّه أقبل الوهم الذي هو رئيس القوى الحيوانيّة بمعونة القوّة المتخيّلة التي هي خادمته كأنّها من قواه ، فجعل يلاحظ واحدا واحدا من الصّور الموجودة في الخيال ، ليكون كأنّه يشاهد الأمور التي هذه صورها ، فإذا لاحظ الصّورة التي أدرك أوّلا معها أو فيها ذلك المعنى الذي أدّاه إلى الحافظة واختزنته ثمّ زال عنها ، لاح للوهم مرّة أخرى ذلك المعنى كما لاح من خارج ، وحيث لاح له المعنى حينئذ أدّاه إلى الحافظة ثانيا ، واستثبته القوّة الحافظة أيضا مرّة أخرى ، فيكون هذا الاستثبات ثانيا ذكرا وتذكّرا واسترجاعا واستعادة ، ويكون رجوع هذه القوّة الحافظة إلى لوح الصّورة ، أي الخيال لا لضبط الصّورة نفسها ، بل لضبط المعنى الذي معها ثانيا ، وليس الرّاجع إليه أوّلا وبالذّات هو هذه القوّة ، بل الرّاجع إليه في الحقيقة هو الوهم ، لكن لا بنفسها ، بل بمعونة القوّة المتخيّلة ، وليس رجوعه إليه أيضا بالذات لأجل إدراك الصّورة ، بل لأجل إدراك المعنى الذي معها ثانيا ، حتّى يؤدّيه إلى الحافظة ثانيا ، فتضبطه