ضبطا بعد آخر ، فتكون هذه القوّة أيضا راجعة إليه بالعرض بتوسّط رجوع الوهم إليه. ثمّ إنّه كما يمكن الرّجوع في ذلك إلى لوح الصّورة أي الخيال ـ كما ذكر ـ كذلك يمكن الرّجوع فيه إلى الحسّ الظّاهر ، وذلك إذا أشكل التذكّر والاسترجاع والاستعادة للمعنى من جهة الرّجوع إلى الخيال ، وأورد الحسّ مرّة أخرى صورة شيء معه ذلك المعنى الذي بطل وعادت تلك الصّورة مستقرّة في الخيال. ثمّ توجّه الوهم ولاحظ ذلك المعنى فيه ثانيا فأدّاه إلى الحافظة ، فاستقرّ ذلك المعنى فيها ، واستثبته وضبطته مرّة أخرى ، فتذكّرته ، وهذا الذي إنّما هو محصّل كلام الشّيخ هنا ، وينبغي أن يحمل عليه ، وإن كان لا يخلو عن إغلاق ما يزول بتفسيره.
وهو أنّ قوله : «فجعل يعرض واحدا واحدا من الصّور الموجودة في الخيال» أي فجعل الوهم يشاهد ما في الخيال من الصّور ، لا لأجل إدراك الصّور والحكم بها ، بل لأجل إدراك المعاني التي معها ، وفيه دلالة على أنّ الوهم كما يدرك المعاني ، ويحكم بها بالذّات ، كذلك يدرك الصّور التي فيها تلك المعاني بالعرض ، كما ذكرنا سابقا.
وقوله : «واستثبتته القوّة الحافظة في نفسها ، كما كانت حينئذ تستثبت» أي حين لاح للوهم مرّة أخرى ذلك المعنى الذي لاح أوّلا وبطل ، استثبتت القوّة الحافظة ذلك المعنى اللائح ثانيا في نفسها كما كانت تستثبت المعنى الذي لاح للوهم أوّلا.
وقوله : «فكان ذكرا» أي كان هذا الاستثبات ثانيا ذكرا ، وبذلك يصدق على هذه القوّة الحافظة أنّها ذاكرة ومتذكّرة.
وقوله : «وربّما كان المصير من المعنى إلى الصّورة ، فيكون المتذكّرة المطلوب ليس نسبته إلى ما في خزانة الخيال» أي كما أنّه قد يكون مصير الوهم ومصير الحافظة بتوسّط من الصّورة إلى المعنى كما ذكر ، كذلك قد يكون مصيرهما من المعنى إلى الصّورة ، وذلك إذا كان معنى من المعاني التي حكم بها الوهم في المحسوسات وأدّاه إلى الحافظة مضبوطا في الحافظة غير منسيّ ، إلّا أنّه كانت تلك الصّورة التي أدرك معها الوهم ذلك المعنى منسيّة ، فرجع الوهم حينئذ إلى لوح الصّورة وخزانة الخيال يعرف أنّ أيّا من تلك الصّور