البتّة ، لأن مفاد قوله هذا إنّما هو مجرّد إطلاق لفظ الصّورة على الجوهر ، ومجرّد إطلاق لفظ الجوهر على النفس ، من دون أن يكون هناك معنى الجوهر أو معنى ما قصد بالصورة الجوهريّة. فيكون معنى قوله : «إنّ النّفس جوهر» أنّها صورة ، أي يطلق عليها لفظ الصّورة ، بل يكون قوله : «الصورة جوهر» بهذا المعنى أيضا. أي أنّها يطلق عليها لفظ الجوهر. فيكون كقوله : «الصورة صورة أو هيئة ، والإنسان إنسان أو بشر» لأنّ الصورة كما يطلق عليها لفظ الصورة ، يطلق عليها لفظ الهيئة ، وكذلك الإنسان يطلق عليه هذان اللفظان.
وبالجملة فيكون هذا القول هذيانا من الكلام ، كما لا يخفى ، وحيث كان هذا القول منه بهذا التفسير غير مفيد هنا فائدة في إثبات معنى الجوهريّة للنفس ، فبقي أن يكون قد عنى بالصورة التي أطلقها على النفس معنى يقصد بالجوهر ، حتّى يكون مفيدا هنا.
فنقول : إن عنى بالصورة معنى الجوهر ، أي ما ليس في موضوع البتّة ، أي لا يوجد بوجه من الوجوه قائما في الشيء الّذي بيّناه لك ، ـ أي في الإلهيّات ـ موضوعا البتّة ، أي أن لا يكون في شيء من الأشياء بهذه الصفة ، كما هو معنى الجوهر وحقيقته كما بيّنه هنالك ، فلا يخفى أنّ هذا الادّعاء من هذا القائل ، إنّما هو لأجل أنّه رأى النفس كمالا وصورة ، وظنّ ثبوت حقيقة الجوهر ومعناه لكلّ كمال وصورة ، فحكم بثبوت معناه للنفس ، ولا سترة في أنّه لا يصحّ كلّيّا ، أي ليس كلّ كمال جوهرا بهذا المعنى ، فإنّ كثيرا من الكمالات التي هي صور أيضا باعتبار ، تكون هي في موضوع وأعراضا لا محالة ، سواء كانت كمالات اوّل أو ثواني ، وهذا كالشكل للسّيف والقطع له ، وكالتميّز والرويّة والإحساس والحركة للإنسان ، وكالحرارة التي هي كمال للنار في غير جسم النار ، فلم يلزم من كون الشيء كمالا أو صورة كونه جوهرا بالمعنى المذكور ، حيث إنّه قد يمكن أن يكون عرضا كما في تلك الأمثلة.
وبهذا القدر قد تمّ ما قصده الشيخ من منع الكليّة ، إلّا انّ ما ذكره بعد ذلك من قوله (١)
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٨ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.