«وإن كان ذلك الكثير بالقياس إلى المركّب ، ومن حيث كونه فيه ليس في موضوع» ـ إلى آخر ما ذكره ـ.
بيان : لأنّ الشيء إذا كان في شيء ما في موضوع ، وفي شيء آخر لا في موضوع ، فإنّ ذلك لا يجعله جوهرا ، وفيه إشارة أيضا إلى وجه الغلط والخلط الذي نسبه في الإلهيّات إلى كثير ممّن يدّعي المعرفة.
وتحريره : أنّا لو جوّزنا في ذلك الكمال الذي قلنا إنّه في موضوع بالقياس إلى شيء كونه بالقياس إلى شيء آخر لا في موضوع ، كما في الحرارة ، حيث إنّها في غير جسم النار في موضوع البتّة ، وقلنا إنّها في جسم النّار ، أي في جملة النّار ، وفي المركّبة منها من حيث كونها فيها ، ليست في موضوع وليست بعرض ، لأنّها موجودة فيها كجزء ، وأيضا ليس يجوز رفعها عن النار والنار تبقى.
وبالجملة أنّها بالقياس إلى النار ممّا ينتفي عنها صفة العرض ، كما ادّعاه كثير ممّن يدّعي المعرفة ؛ فإنّ ذلك لا يجعلها جوهرا في حدّ ذاتها ، لأنّ كونها جزءا من النار لا يمنعها أن تكون في موضوع في حدّ ذاتها ، حيث إنّ كون شيء في شيء ما ، لا كالشيء في الموضوع ، لا يكفي في كونه جوهرا في حدّ ذاته ، كما ظنّه بعضهم كالكثير ممّن يدّعي المعرفة ، لأنّ حقيقة الجوهر على ما عرّفها القوم : ما لا يكون في شيء من الأشياء بوجه من الوجوه موجودا في الشيء الذي سمّوه موضوعا ، حتّى يكون في حدّ ذاته وفي نفسه جوهرا ، وهذا المعنى كما هو صريح كلمات الشيخ في تعريف الجوهر ، كذلك هو مدلول ما قاله بعضهم في تعريفه : «أنّه الموجود لا في موضوع» حيث إنّ الموضوع نكرة في سياق النفي وهي تفيد العموم.
والحاصل أنّ الجوهر ما لا يكون في شيء من الأشياء في موضوع ، لا أن يكون ذلك بالقياس إلى شيء مخصوص ، فعلى هذا ، فالحرارة في جسم النّار ـ وإن فرضناها فيها ـ لا في موضوع ، ممّا ليس يكون بذلك حقيقة الجوهر في حدّ ذاتها ، لأنّ ذلك إنّما هو لها بالقياس إلى جسم النار ، لا بالقياس إلى جميع الأشياء ، وهذا ليس من معنى الجوهر. نعم