إن كان مرادهم به ما دلّ عليه عبارة الشيخ كما بيّنّا معناها ، فلا كلام معهم في كون هذا حدّا للنفس مطابقا لما ذكره الشيخ ، إلّا أنّ تطبيق ما ذكروه على ما ذكره يحتاج إلى تكلّف بالغ ؛ لأنّه حينئذ يكون معنى قولهم هذا ، أنّ النفس كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ ذي حياة بالفعل ، يكون صدور أفعال الحياة عنه بالقوّة ، أي ممكنا ، كما ذكرنا في معنى قول الشيخ.
وإن كان مرادهم به ما يتبادر من ظاهر قولهم هذا ، أنّ النفس كمال أوّل لجسم طبيعي آليّ ذي حياة ، يكون حياته بالقوّة بالفعل ؛ فهذا ليس بصحيح في نفسه ، لأنّه يخرج عنه جميع ما قصدوا تحديده ، أي النفس الأرضيّة بجميع أنواعها. لأنّ حياة الجميع إنّما هي بالفعل لا بالقوّة ، سواء اريد بالحياة عين النفس بناء على تسمية النفس بالحياة ـ كما وقع في عبارة بعضهم ، وادّعاه المتشكّك في التشكّك بالوجه الثاني ـ او اريد بها كون الشيء موجودا فيه مبدأ يصدر عنه أفعال الحياة ، أو اريد بها كون الشيء بحيث يصحّ صدور تلك الأفعال عنه ، كما سيأتي تفسيرها في كلام الشيخ. فإنّ جميع ذلك حاصل للجسم ذي النفس بالفعل لا بالقوّة ، وأمّا إذا اريد بالحياة تلك الأفعال أنفسها ـ كما وقع في كلام المتشكّك بالوجه الأوّل ـ فتلك الأفعال ، وإن كانت تارة بالفعل وتارة بالقوّة ، لكنّها ليس يلزم كونها بالقوّة البتّة ، كما يدلّ عليه ظاهر تلك العبارة.
وإن كان مرادهم به ما فهمه بعضهم منه ، كالشارح القوشجي في شرح التجريد ، حيث ذكر : «إنّ المراد به ما يمكن أن يصدر عنه ما يصدر عن الأحياء ولا يكون ذلك الصدور دائما ، بل قد يكون بالقوّة (١)» وادّعى أنّه بهذا القيد يخرج النفس الفلكيّة على المذهب غير الصحيح ، أي على رأي من يجعل الفلك آليّا ، لأنّ ما يصدر عنها يكون دائما ، لا كأفاعيل النفس الأرضيّة ، حيث قد تكون بالقوّة ، كما أنّه يخرج بقيد كون الجسم آليّا النفس الفلكيّة على المذهب الصحيح ، أي على تقدير عدم كون الفلك آليّا.
فهذا المعنى الذي فهمه بعيد عن تلك العبارة بمراحل ، لا يستقيم حملها عليه عند من له أدنى معرفة بأساليب الكلام.
__________________
(١) شرح التجريد / ٢٢٠ ، للقوشجي.