فيظهر مما ذكرنا ، أنّ تغيير عبارة الشيخ بما ذكره هؤلاء تغيير مخلّ ، وأنّ فهم المعنى المقصود منه لا يخلو عن سماجة وركاكة ، وأنّ الأحسن ما ذكره الشيخ ، وأن إخراج النفس الفلكيّة بما ذكره من القيد إنّما هو من جهة تفسير أفعال الحياة بما فسّر ، كما دلّ عليه عبارته. وادّعاه هو نفسه ، وقبله منه المتشكّك : لا يكون تلك الأفعال بالإمكان أو بالقوّة ، فاعرف ذلك.
وحيث عرفت ذلك ، وعرفت أنّ الحدّ الجامع المانع للنفس الأرضيّة المتناولة للنباتيّة والحيوانيّة والإنسانيّة هو ما ذكر ، تحصّل لك أنّه :
إن أريد تحديد النفس الأرضيّة النباتيّة على حدة ، ينبغي أن يقال : إنّها كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ له أن يفعل بعض أفعال الحياة ، أي التغذية والتنمية والتوليد فقط.
وإن أريد تحديد الحيوانيّة على حدة ، ينبغي أن يقال بعد قولهم : «آليّ» : له أن يفعل أكثر أفعال الحياة ، أي أن يفعل ـ مضافا إلى أفعال النباتيّة ـ الحسّ والحركة الإراديّة فقط من جملة أفعال الحياة.
وإن أريد تحديد الإنسانيّة على حدة ، ينبغي أن يقال بعد قولهم : «آليّ» : له أن يفعل أفعال الحياة كلّها ، أي أن يفعل ـ مضافا إلى أفعال النباتية والحيوانيّة ـ النطق والتعقّل الكلّيّ.
وإن اريد تحديد الفلكيّة ، ينبغي أن يقال : إنّها كمال أوّل لجسم طبيعيّ له أن يفعل الإدراك والحركة الدائميّين اللذين يتبعان تعقّلا كلّيّا حاصلا بالفعل.
وهذا إذا اريد تحديدها على المذهب الصحيح. وإن اريد تحديدها على المذهب غير الصحيح ، ينبغي أن يزاد قولنا : «آليّ» بعد قولنا : «لجسم طبيعيّ» في هذا الحدّ.
وهذا كلّه ظاهر ، والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
وقوله (١) : «وأمّا أمر الحياة والنفس ، فمثل (٢) الشكّ في ذلك على ما نقول : إنّه قد صحّ أنّ
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٢ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٢) في المصدر : فحلّ الشك.