حيث هي نفس» (١) بهذه العبارة :
إنّ أوّل ما يجب أن نتكلّم فيه : إثبات وجود الشيء الّذي يسمّى نفسا ، ثمّ نتكلّم فيما يتبع ذلك ، فنقول : إنّا قد شاهدنا (٢) أجساما تحسّ ونتحرّك بالإرادة ، بل نشاهد أجساما تغتذي وتنمو وتولّد المثل ، وليس ذلك لجسميّتها (٣) ، فبقي أن تكون بذواتها مباد (٤) لذلك غير جسميّتها والشيء الذي يصدر عنه هذه الأفعال (٥).
وبالجملة ، كلّ ما يكون مبدأ لصدور أفاعيل ليست على وتيرة واحدة عادمة للإرادة ، فإنّا نسمّيه نفسا. وهذه اللفظة اسم لهذا الشيء ، لا من حيث جوهره. ولكن من جهة إضافة ما له ، أي من جهة ما هو مبدأ لهذه الأفاعيل ، ونحن نطلب جوهره والمقولة التي يقع فيها من بعد. ولكنّا الآن إنّما أثبتنا وجود شيء هو مبدأ لما ذكرنا ، وأثبتنا وجود شيء (٦) ما جهة ماله عرض ما ، ونحتاج أن نتوصّل (٧) من هذا العارض الذي له إلى أن تحقّق ذاته لتعرف ماهيّته (٨) ، كأنّا قد عرفنا أنّ لشيء يتحرّك محرّكا ما ، ولسنا نعلم من ذلك أنّ ذات هذا المحرّك ما هو؟ فنقول : إذا كانت الأشياء التي نرى أنّ النفس موجودة لها ، أجساما ، وإنّما يتمّ وجودها من حيث هي نبات وحيوان لوجود (٩) هذا الشيء لها ، فهذا الشيء جزء من قوامها. وأجزاء القوام ـ كما عملت في مواضع ـ هي قسمان : جزء يكون به الشيء هو ما هو بالفعل ، وجزء يكون به الشيء هو ما هو بالقوّة ، إذ هو بمنزلة الموضوع. فإن كانت النفس من القسم الثاني ـ ولا شكّ أنّ البدن من ذلك القسم ـ فالحيوان والنبات لا يتمّ حيوانا ولا نباتا بالبدن ، ولا بالنفس ؛ فيحتاج إلى كمال آخر هو المبدأ بالفعل لما قلنا ، وذلك (١٠) هو النفس ، وهو الذي كلامنا فيه. بل ينبغي أن تكون النفس هو ما به يكون الحيوان والنبات بالفعل نباتا وحيوانا ؛ فإن كان جسما أيضا ، فالجسم صورته ما قلنا ؛ وإن كان جسما بصورة ما ، فلا يكون هو من حيث هو جسم ذلك المبدأ ، بل يكون كونه مبدأ من
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٥ ـ ١٣ ، المقالة الاولى من الفنّ السادس ، تحقيق الدكتور محمود قاسم ، أوفست مكتبة المرعشي ـ قم عن طبعة مصر.
(٢) في المصدر : إنّا قد نشاهد ...
(٣) وليس ذلك لها لجسميّتها ...
(٤) أن تكون في ذواتها مبادي ...
(٥) تصدر عنه هذه الأفعال ...
(٦) وجود شيء من جهة ...
(٧) ويحتاج أن يتوصّل ...
(٨) لتعرف ماهيّته ...
(٩) وحيوان بوجود هذا الشيء ...
(١٠) فذلك هو النفس.