فيما سبق في مبحث بقاء النفس.
فهذا القول منه أيضا لا يمكن أن يكون منشأ للتشكّك المذكور ، وادّعاء أنّ النفس نفس الحياة ومتّحدة معها بالذّات ؛ فتبصّر.
ثمّ إنّ قول الشيخ (١) : «وقد فرغنا الآن عن (٣) معنى الاسم الذي يقع على الشيء الذي سمّي نفسا بالإضافة (٤) له ، فبالحريّ أن نشتغل بإدراك ماهيّة (٥) هذا الشيء الّذي صار بالاعتبار المقول نفسا».
يعني أنّه بذلك الكلام الطويل قد فرغنا عن بيان معنى اسم النفس وتحديدها بحسب ما لها إضافة إلى البدن ، وحيث كان هذا التحديد لا يفيد بيان حقيقتها بالنظر إلى ما لها في نفسها ، ولا يتبيّن منه أنّ الكمال الأوّل الذي رسمناه ، أهو في ذاته جوهر أم عرض؟ وعلى تقدير كونه جوهرا ، هل هو جوهر مجرّد عن المادّة أم مادّيّ سماويّ أم أرضيّ؟ وبالجملة لا يتبيّن منه بيان ماهيّتها في ذاتها ، كما عرفت وجهه ، والحال أنّ هذا البيان أيضا مقصودنا. فبالحريّ أن نشتغل بإدراك ماهيّة هذا الشيء الذي صار بالاعتبار المقول نفسا ، أي بتحقيق حقيقته في نفسه التي هي حقيقته في حدّ ذاتها ، وهي صارت باعتبار القول بأنّها كمال أوّل نفسا متعلّقة بالبدن ، مدبّرة له ، كما حقّقه فيما بعد هذا الفصل ، أنّها جوهر مجرّد من شأنها كذا وكذا ، ومن حالها كيت وذيت ، وسنشير إليه إن شاء الله تعالى.
وقوله (٢) : «ويجب أن نشير في هذا الموضع إلى إثبات وجود النفس التي لنا إثباتا على سبيل التنبيه والتذكير» ـ إلى آخره ـ
معناه أنّه يجب أن نشير في هذا الموضع إلى اثبات وجود النفس التي لنا ، أي النفس الناطقة الإنسانيّة ، أي إثبات إنّيّتها إثباتا لا على طريق الاكتساب من حدّ أو رسم أو دليل ، بل إثباتا ضروريّا بديهيّا يحتاج إلى تنبيه وتذكير.
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٣ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٣) في المصدر : فقد عرفنا الآن معنى ...
(٤) بإضافة ...
(٥) ماهيّة ...
(٢) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٣ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.