يكون مؤديّا إلى ما يترتّب عليه المصلحة ، ألا ترى أنّ من أراد تدبير عسكر أو بلد كما أنّه يأمر بالأمور النافعة لهم وينهى عن الأمور الضارّة بحالهم كذا يأمر بما يؤدّي إلى ما فيه نفعهم وينهى عمّا يؤدّي إلى ما فيه ضررهم ، وذلك طريقة جارية بين العقلاء لا يرتابون فيه وقد جرى عليه الشارع في كثير من التكاليف الشرعيّة فيكون ذلك برهانا لمّيّا على مراعاته ، ذلك فيما لم يتعلّق به صريح الأمر فتأمّل.
ومنها : أنّه قد تقرّر أنّ تحريم المسبّب قاض بتحريم سببه المؤدّي إليه وحينئذ فنقول : إنّ ترك كلّ من الشرائط والمقدّمات سبب لترك مشروطه وما يتوقّف عليه ومن البيّن : أنّ إيجاب المشروط والمتوقّف قاض بالمنع من تركه فتكون الشرائط والمقدّمات أيضا ممنوعا من تركها لإفضائها إلى الحرام ، فإذا كان تركها حراما لكونه سببا للحرام كان فعلها واجبا وهو المدّعى.
وفيه : ـ بعد الغضّ عن المناقشة في تحريم سبب الحرام ، إذ قد ينكره من ينكر وجوب المقدّمة مطلقا ـ أن سبب المحرّم إنّما يكون محرّما إذا كان هو الباعث على حصول الحرام والمفضي إليه دون ما يكون من شأنه ذلك ، فإذا لم يستند إليه حصول المحرّم وإنّما كان وجوده من المقارنات لوجوده فلا تحريم فيه أصلا.
ومن البيّن : أنّ انتفاء الواجب إنّما يتفرّع على انتفاء الداعي إليه فلا يستند الترك إلّا إليه وهو السبب لحصوله دون ترك سائر المقدّمات وإن كان لترك كلّ منها شأنيّة السببيّة فقد يقال حينئذ : إنّ مقتضى الدليل المذكور وجوب خصوص السبب دون غيره من المقدّمات ، إذ الداعي إلى الفعل هو الإرادة الجازمة المسمّاة بالإجماع وهو السبب لوجود الفعل.
وفيه مناقشة ظاهرة والأولى أن يقال : إنّ مفاد ذلك حرمة خصوص ترك المقدّمة الّتي يستند ترك الواجب إلى تركها لا مطلقا ، ومن البيّن أنّ ترك الواجب في الحقيقة إنّما يستند إلى ترك بعضها ويكون ترك البواقي مجرّد مقارنة لترك الواجب من غير أن يكون لها بعث على تركه ، فأقصى ما يفيده الدليل المذكور تحريم الترك المفروض دون ترك سائر المقدّمات ممّا يثبت لها شأنيّة التسبيب إلّا أن يتمّ ذلك حينئذ بعدم القول بالفصل وفي إثباته في المقام تأمّل.