ومنها : أنّه لو أمر المولى كلّا من عبديه بفعل مخصوص في بلد بعيد في وقت معيّن وأتمّ الحجّة عليهما في التكليف فتعمّدا ترك المسير إلى البلد المذكور عند تضيّق الوقت الذي يسع المسير إليه من غير عذر باعث على الترك فاتّفق موت أحدهما قبل حضور وقت الفعل وبقي الآخر فإمّا أن يكونا عاصيين بذلك مستحقّين للعقوبة ، أو لا يتحقّق العصيان منهما ولا يستحقّان للعقوبة ، أو يثبت ذلك بالنسبة إلى الحيّ دون الميّت ، أو بالعكس. والآخر واضح الفساد ، وكذا الثاني والثالث فاسد أيضا ، لاستوائهما في الأفعال الاختياريّة ولا تفاوت بينهما إلّا باتّفاق موت أحدهما وبقاء الآخر وليس ذلك من الأفعال الاختياريّة ليكون دخيلا في إثبات الاستحقاق ونفيه بمقتضى قواعد العدليّة وإنّما هو من فعل الله تعالى ، وإذا بطل الوجوه الثلاثة تعيّن الأوّل وبه يتمّ المقصود ، إذ لو لا وجوب المقدّمة لم يعقل تحقّق العصيان منهما ، إذ ليس المتروك بالنسبة إلى الميّت منهما سوى مقدّمة الواجب.
وفيه أوّلا : أنّه لو تمّ ما ذكر لزم كونهما عاصيين بترك نفس الفعل المفروض ، لوضوح كون الثاني عاصيا بذلك فيلزم أن يكون الأوّل أيضا عاصيا به ، لاستوائهما في الأفعال الاختيارية الّتي هي مناط التكليف حسب ما أخذ في الاستدلال المذكور مع أنّه لا يقول به المستدلّ وإلّا لم يفد ذلك وجوب المقدّمة ، كيف ومن المقرّر عدم جواز الأمر بالفعل المشروط مع علم الآمر بانتفاء الشرط وإذا لم يكن ثمّة أمر لم يعقل حصول العصيان من جهته.
وثانيا : بالمنع من كونهما عاصيين ، إذ بعد تسليم عدم تكليف الأوّل بنفس الفعل كما عرفت لا يعقل عصيان بالنسبة إليه من جهة تركه ذلك الفعل ، ولا من جهة ترك مقدّمته ، لوضوح عدم وجوب المقدّمة مع عدم وجوب ذيها فلا وجه للحكم باستوائهما في العصيان واستواؤهما في الأفعال الاختيارية لا يقضي بحصول العصيان منهما مع انكشاف انتفاء القدرة بالنسبة إلى أحدهما وكونها من شرائط التكليف قطعا.