العلم بها ليرد ما ذكر ، بل يكتفي في ذلك بالظنّ نظرا إلى انسداد سبيل العلم به ، وهو ممكن الحصول في العادة.
فإن قلت : إنّ الاكتفاء فيه بالظنّ قاض بانتفاء الإثم ، إذ المفروض حصول الظنّ المفروض وطروء المانع بغتة فلا عقاب على الجائز.
قلت : ليس الظنّ المفروض شرطا في الجواز ليجوز التأخير في الواقع مع حصوله ، وإنّما الشرط في المقام هو السلامة ، لكن لمّا لم يتمكّن المكلّف من العلم بها اكتفى فيه بالظنّ، فهو إنّما يكون طريقا إلى حصول الشرط لا عينه ، فإذا تخلّف الطريق عن الواقع تفرّع على الواقع ما يتفرّع عليه من الإثم والعقوبة ، فالعقوبة المتفرّعة على ترك الواجب الحاصل بالتأخير لا يتخلّف عنه في المقام ، إلّا أنّه لمّا كان المكلّف مطمئنّا من أداء الواجب وعدم حصول الترك منه جاز له التأخير من تلك الجهة ، ولو كان معتقدا حصول العقوبة على فرض التخلّف وحصول الترك فلا ينافي ذلك تفرّعه عليه ، ولا تجويز الشرع أو العقل الإقدام عليه في هذه الحال ، ألا ترى أنّه لو ظنّ سلامة الطريق جاز له السفر ، بل وجب عليه مع وجوبه؟ ولا يقضي ذلك بعدم تفرّع ما يترتّب على السفر من المفاسد المحتملة فيه. والعقل والشرع إنّما يجوّزان الإقدام من جهة بعد ذلك الاحتمال وإن تفرّع عليه ذلك على فرض خطأ الظنّ المفروض ، فأيّ مانع في المقام من تفرّعه عليه مع ظهور الخطأ؟
ويدفعه : أنّ الآثار المتفرّعة هناك إنّما تترتّب على نفس الأفعال ، والأثر المترتّب هنا إنّما يتفرّع على حصول العصيان والإقدام على المخالفة ، وحيث تحقّق منه الإذن في التأخير مع ظنّ السلامة فلا إقدام على المعصية ضرورة. وإن تخلّف الظنّ عن الواقع وحصل ترك المطلوب لتحقّق الترك حينئذ على الوجه المشروع السائغ المأذون فيه من الآمر فلا يعقل ترتّب العقوبة عليه من تلك الجهة ، مع عدم مخالفته لمولاه وجريانه على مقتضى إرادته وإذنه ، فليس ما نقوله من انتفاء العقوبة مبنيّا على الملازمة بين الاكتفاء بظنّ سلامة العاقبة وحصول السلامة ضرورة حصول التخلّف في المثال المفروض وغيره ، وإنّما المقصود عدم إمكان