حصول الإقدام على العصيان مع تجويز التأخير إذا اتّفق معه حصول الترك من غير اختياره.
ومن هنا قد يتخيّل الفرق بين الواجبات الموسّعة في حكم الشرع وما حكم بتوسعة العقل ، إذ مع تجويز الشرع للتأخير لا يعقل منه التأثيم والعقوبة على الترك المتفرع على تجويزه. وأمّا لو كان ذلك بحكم العقل من دون حكم الشرع بجواز التأخير فلا يتّجه ذلك ، فإنّ الآمر يريد الفعل من المأمور لا محالة في أيّ جزء كان من الزمان ، من غير فرق عنده بين إيقاعه في الأوّل أو غيره ، والعقل إنّما يجوّز التأخير من جهة الظنّ والاطمئنان بحصول مطلوب الشارع في الزمان الثاني أو الثالث ـ مثلا ـ على نحو ما ذكر في المثال.
فإن قلت : إنّ تجويز العقل التأخير كتجويز الشرع ، لما تقرّر من أنّ ما حكم به العقل فقد حكم به الشرع ، فأيّ فرق بين الصورتين؟
قلت : إنّ العقل في المقام لا يجوّز التأخير الّذي يترتّب عليه الترك ، وإنّما يجوّز التأخير من جهة اطمئنانه بحصول المطلوب في الثاني مثلا ، ولذا ترى أنّه يجوّز ذلك مع اعتقاده تحقّق الإثم والعقوبة على فرض تفرّع الترك على التأخير لبعد ذلك الاحتمال في نظره ، كما في احتماله اخترام السبع له أو قتل اللصّ في إقدامه على السفر مع ظنّ سلامته ، فحكم العقل بجواز التأخير على الوجه المذكور لا ينافي تفرّع العقوبة على فرض التخلّف ، لئلّا يلزم المطابقة بين الحكمين. بل لو حكم الشرع أيضا بجواز التأخير على الوجه المذكور من جهة اطمئنانه بعدم حصول العصيان لم يمنع ذلك من عقوبته على فرض حصول العصيان ، وإنّما قلنا بالمنع أوّلا من جهة إطلاقه التجويز.
هذا غاية ما يتخيّل في المقام ، لكنّك خبير بأنّ ذلك لا يصحّح تفرّع العقوبة ، ولا تحقّق العصيان ، إذ ليس العصيان مجرّد ترك المأمور به ، لحصوله من الساهي والناسي ونحوهما ممّا لا كلام في عدم عصيانه ، وإنّما العصيان ترك المأمور به على وجه غير مأذون فيه ، والمفروض حصول الإذن في التأخير الملازم للترك