الاستعمال الكاشف عن منع الواضع ، بل من جهة سوء التعبير وركاكة البيان ، على نحو قولك «أكلت رمّانة ورمّانة ورمّانة» وهكذا أن تكمله عشرا أو عشرين ، فإنّه ينبغي أن يعبّر عنه بقوله «أكلت عشر رمّانات أو عشرين» وكذا إذا أراد التعبير عن أكل رمّانتين أو ثلاث ينبغي أن يعبّر عنه بلفظه ، لا أن يقول : أكلت كلّ رمّانة ، ثمّ يستثنى عنه إلى أن يبقى واحد أو اثنان أو ثلاثة ، وممّا يشير إلى ذلك أنّه لو كان المنع من جهة اللغة لاطّرد الاستقباح المذكور وليس كذلك ، لوضوح استحسانه في بعض المقامات ، حسب ما أشرنا إليه ، فذلك شاهد على كون الاستقباح من جهة ركاكة التعبير وخلوّ العدول إليه من النكتة اللائقة ، فلذا يستحسن مع وجودها في المقام ، ولو كان ذلك من أجل المنع اللغوي لم يحسنه مراعاة المقام.
قلت : الظاهر أنّ القبح الحاصل في المقام إنّما هو في إطلاق لفظ العامّ على الوجه المذكور ، وليس ذلك من قبيل سوء التعبير الحاصل بملاحظة التراكيب ، بل من جهة نفس إطلاقه الأفرادي ، وذلك قاض بكون الاستعمال غلطا ، خارجا عن قانون اللغة ، كما هو الحال في نظائره من الأغلاط ، إذ ليس القاضي بالمنع من الاستعمال بالنسبة إليها سوى الاستقباح المذكور ، وعدم تجويز العرف للاستقباح كما في هذا المقام. وما ذكر من أنّه لو كان مستندا إلى الوضع لجرى في جميع الاستعمالات وإن لم يختلف الحال فيه بحسب المقامات غير متّجه ، لوضوح اختلاف المعاني المجازيّة صحّة وفسادا بحسب اختلاف المقامات ، لاختلاف الخصوصيّات الملحوظة في كلّ مقام ، وليس مجرّد صحّة التجوّز في مقام قاضيا باطّراده في سائر المقامات ، ولذا قالوا بعدم لزوم الاطّراد في المجازات.
ألا ترى أنّه يصحّ إطلاق «اليد» على الإنسان في مقام الأخذ والإعطاء ونحوهما ولا يصحّ إطلاقها عليه في غير ذلك المقام ، وكذا إطلاق «الرقبة» في مقام يرتبط بالرقبة ونحوها دن غيره ، حسب ما مرّ تفصيل القول فيه في محلّه ، وهذا أمر واضح بالنسبة إلى المجازات ، بل يمكن القول به في الحقائق أيضا إذا اشتمل على تصرّف زائد على مجرّد استعماله فيما وضع له ، كما هو المفروض في