المقام لو قلنا باستعماله فيه ، فإذا صحّ بحسب المقام تخصيص العامّ بالأكثر بملاحظة خصوصيّة مجوّزة له جاز استعمال العامّ على الوجه المذكور ، كما إذا نزّل الباقي منزلة المعظم أو الكلّ واطلق لفظ العامّ عليه تنزيلا له بتلك المنزلة ، فيصحّ الاستعمال ولو كان المخرج أضعاف ما اطلق اللفظ عليه ، أو نزّل القليل الحاصل منه منزلة الكثير إمّا لدعوى استجماعه لصفات الكلّ أو الجلّ ، أو لاكتفائه بذلك عن الكلّ على حدّ قولك : «حصل لي اليوم كلّ الربح» إذا حصّلت منه قدرا كافيا لا تتوقّع الزيادة عليه ، فيدور الأمر جوازا ومنعا مدار ذلك ، وليس ذلك كاشفا عن جواز الاستعمال كذلك مطلقا وإن كان في بعض المقامات مستحسنا موافقا للبلاغة واردا على وفق مقتضى الحال وفي بعض المقامات خلافه ، بل الحال على خلاف ذلك ، وإنّما يدور الجواز والمنع مدار ذلك ، من جهة حصول المصحّح في بعض تلك المقامات دون غيره حسب ما بيّنا.
نعم لو كان الأمر الملحوظ في كلّ من تلك المقامات شيئا واحدا من غير اختلاف في اعتباراته والجهات الملحوظة معه ، فحسن في مقام وقبح في آخر ، كان ذلك شاهدا على عدم استناد التحسين والتقبيح إلى الوضع ، وإلّا لم يختلف الحال فيه كذلك وليس الحال على ذلك.
فظهر بما قرّرنا أنّ تخصيص العامّ إلى أن يبقى واحد أو اثنان أو ثلاثة ونحوها من مراتب تخصيص الأكثر ممّا لا يجوز ، مع قطع النظر عن ضمّ أمر آخر وملاحظة جهة اخرى معه ، ولا يختلف الحال فيه من تلك الجهة بحسب المقامات ، وإنّما يختلف الحال فيه بحسب اختلاف سائر الامور المنضمّة إليه ، ومن ذلك ما إذا كان المخرج صنفا والباقي صنفا آخر مع انحصار الباقي بحسب المصداق في الواحد أو الاثنين أو الثلاثة أو نحوها ، وهو في التوصيف والشرط ونحوهما ممّا لا ينبغي الريب فيه ، بل لا يبعد القول بكون الاستعمال على وجه الحقيقة ، كما في قولك «أكرم كلّ عالم عادل» و «أكلت كلّ رمّانة صحيحة في البستان» و «أهن كلّ فاسق إن أمنت شرّه» إذ لا يبعد القول بانتفاء التجوّز فيه وإن كان الباقي أقلّ. وسيجيء