لا فرق في ذلك بين الأمرين ، لقيام الاتّفاق في المقامين ، وليس الحال في مفاد ألفاظ الكتاب إلّا كألفاظ السنّة ، والتفصيل المذكور وإن ذهب إليه شذوذ إلّا أنّه موهون جدّا حسب ما قرّر الكلام فيه في محلّه.
كيف! والرجوع إلى الكتاب والسنّة والتمسّك بهما وما بمعناهما ممّا ورد في الروايات يعمّ الأمرين كما يعلم الحال فيه من ملاحظة نظائر تلك العبارات في سائر المقامات.
فإن قلت : إنّ قضيّة ما ذكر من وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنّة هو الرجوع إلى ما علم كونه كتابا وسنّة وإن كان الأخذ منهما على سبيل الظنّ تحقيقا للموضوع كما هو قضيّة الأصل ، فلا عبرة بالكتاب الواصل إلينا على سبيل الظنّ حسب ما أشاروا إليه في بحث الكتاب. وكذا لا ينبغي أن لا يعتبر من السنّة إلّا ما ينقل إلينا على وجه اليقين من المتواتر والمحفوف بقرينة القطع ، وحينئذ فلا يتمّ ما قرّر في الاحتجاج ، لظهور عدم وفاء المقطوع به منهما بالأحكام وإن كان استنباط الحكم منهما على سبيل الظنّ ، فلابدّ أيضا من الرجوع إلى مطلق الظنّ.
قلت : لا ريب أنّ السنّة المقطوع بها أقلّ قليل ، وما يدلّ على وجوب الرجوع إلى السنّة في زماننا هذا يفيد أكثر من ذلك ، للقطع بوجوب رجوعنا اليوم في تفاصيل الأحكام إلى الكتب الأربعة وغيرها من الكتب المعتمدة في الجملة بإجماع الفرقة واتّفاق القائل بحجّية مطلق الظنّ والظنون الخاصّة ، فلا وجه للقول بالاقتصار على السنّة المقطوعة ، وبذلك يتمّ التقريب المذكور.
فإن قلت : لمّا كان محصّل الوجه المذكور إرجاع الأمر بعد القطع ببقاء التكليف بالرجوع إلى الكتاب والسنّة وانسداد سبيل تحصيل العلم منهما ، وعدم قيام دليل على تعيين طريق خاصّ من الطرق الظنّية في الرجوع إليهما وإلى مطلق الظنّ الحاصل منهما كان هذا الوجه بعينه هو ما قرّروه لحجّية مطلق الظنّ ، فإنّ هذا التكليف جزئيّ من جزئيّات التكاليف الّتي انسدّ سبيل العلم بها وقضيّة العقل في الجميع هو الرجوع إلى الظنّ بعد العلم ببقاء التكليف حسب ما مرّ ، فلا اختصاص