قوله : (وربما منعه مانع لكنّه شديد الضعف ... الخ.)
الظاهر أنّه مبنيّ على القول بكون حسن الأفعال وقبحها ذاتيّا لها غير منفكّ عنها ـ حسب ما عزي إلى قدماء المعتزلة ـ لا بحسب الوجوه والاعتبارات ، فاذا ثبت الحسن أو القبح لطبيعة في ضمن بعض الأفراد كان منوطا بنفس الذات ـ أعني الطبيعة النوعيّة ـ فلا يمكن انفكاكه عنها بالعوارض المصنّفة أو المشخّصة ، لأنّ ما بالذات لا يزول بالغير ، ومنه يعرف اختصاص المنع بالوحدة النوعيّة ولا يجري في غيرها ، لكن المبنى المذكور ضعيف جدّ ، فإنّ التحسين والتقبيح العقليّين يدور غالبا مدار الوجوه والاعتبارات ، كما سيجيء الكلام فيه مفصّلا إن شاء الله تعالى ، ومع الغضّ عن ذلك وتسليم كونهما ذاتيّين للأفعال فليس الأمر والنهي دائرا مدار ذلك قطعا ، لوجوب الأمر بأقلّ القبيحين حينئذ عند دوران الأمر بينهما ، فأيّ مانع إذا من أن يكون بعض أصناف الطبيعة المنهيّ عنها مأمورا به؟ فيرتفع النهي بالنسبة إليه لدوران الأمر بين ارتكاب القبح الحاصل فيه وما هو أقبح منه وإن لم نقل حينئذ بانقلاب القبيح حسنا فتأمّل.
قوله : (ومنعه بعض المجيزين لذلك نظرا إلى أنّه ... الخ) يمكن أن يقرّر كونه تكليفا محالا لا تكليفا بالمحال من وجوه :
أحدها : أنّ الوجوب مشتمل على جواز الفعل وعدم جواز الترك والحرمة مشتملة على جواز الترك وعدم جواز الفعل ، وجواز الفعل يناقض عدم جوازه كما أنّ جواز الترك يناقض عدم جوازه ، فجنس الوجوب يناقض فصل الحرمة كما أنّ جنس الحرمة يناقض فصل الوجوب ، فيكونان في اجتماع الحكمين في محلّ واحد من جهة واحدة اجتماع النقيضين من وجهين. ولو لوحظ اجتماع المجموع مع المجموع أعني نفس الحكمين كان من اجتماع الضدّين.
ويدفعه : أنّ مفاد الوجوب ليس إلّا مطلوبية الفعل على سبيل الحتم كما أنّ مفاد الحرمة هو مطلوبية الترك على الوجه المذكور ، ومن البيّن أنّه لا منافاة بين الطلبين من حيث أنفسهما ، واستلزام مطلوبيّة الفعل لجوازه بحسب الواقع