مسألة لو كان فيها حكم مخالف للأصل لاشتهر لعموم البلوى بها ، وإذا لم نظفر بحديث يدلّ على ذلك الحكم ينبغي أن يقطع قطعا عاديّا بعدمه ، لأنّ جمّا غفيرا من أفاضل علمائنا ـ أربعة آلاف منهم تلامذة الصادق عليهالسلام كما مرّ نقله عن المعتبر ـ كانوا ملازمين لأئمتناعليهمالسلام في مدّة تزيد على ثلاثمائة سنة ، وكان همّهم وهمّ الأئمّة إظهار الدين عندهم وتأليفهم كلّ ما يسمعون منهم في الاصول لئلّا يحتاج الشيعة إلى سلوك طريق العامّة ، وليعمل ما في تلك الاصول في زمن الغيبة الكبرى ، فإنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة عليهمالسلام لم يضيّعوا من كان في أصلاب الرجال من شيعتهم كما تقدّم في الروايات المتقدّمة ، ففي مثل تلك الصورة يجوز التمسّك بأنّ نفي ظهور الدليل على حكم مخالف للأصل دليل على عدم ذلك الحكم في الواقع ، إلى أن قال : ولا يجوز التمسّك به في غير المسألة المفروضة إلّا عند العامّة القائلين بأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أظهر عند أصحابه كلّ ما جاء به ، وتوفّرت الدواعي على جمعه (١) وأخذه ونشره ، وما خصّ أحدا بتعليم شيء لم يظهر عند غيره ، ولم يقع بعدهصلىاللهعليهوآلهوسلم فتنة اقتضت إخفاء ما جاء به انتهى.
وكلامه هذا صريح في التفصيل في إجراء الأصل بين عامّ البلوى وغيره. وظاهره عدم الفرق في ذلك بين أصالة البراءة والإباحة وغيرهما ، فحكم بحجّيته في الأوّل دون الأخير. ولا يذهب عليك أنّ كلام المحقّق هنا بعيد الانطباق على ما فهمه ، بل هو كالصريح في حجّية أصالة البراءة مطلقا في نفي التكليف عنّا بعد الفحص واستقراء الأدلّة بحسب الوسع.
والحاصل : أنّ الفقيه بعد أن ضبط طرق الاستدلالات الشرعيّة وبيّن عدم دلالتها عليه بنى على مقتضى أصالة البراءة أن لا تكليف عليه ، سواء كان هناك تكليف واقعي أو لا ، وليس غرضه الحكم بانتفاء الحكم واقعا عند انتفاء الدليل عليه بحسب الواقع ، كيف ولا إشارة في كلامه إلى اعتبار عموم البلوى في المقام حتّى يمكن حمل كلامه عليه ، بل في كلامه ما يدلّ على خلافه ، حيث قال : لأنّه
__________________
(١) حمله ، خ ل.