واحد من الأحكام الّذي علم إجمالا بالضرورة من الدين قاطع لذلك ، وثبوت حكم إجمالي بخصوص كلّ مسألة من تلك المسائل رافع لحكم الأصل ، للعلم بثبوت ذلك الحكم. وكما أنّه بعد التفحّص عن الأدلّة وبذل الوسع في ملاحظة الضوابط الشرعيّة يرجع في الثاني إلى أصالة البراءة ، لما عرفت من قضاء المقدّمات المذكورة بالرجوع إلى الظنّ بعد انسداد طريق العلم فكذا في الأوّل ، لجريان المقدّمات المذكورة فيها بعينها. فإذا حصل لنا من جهة الأخبار أو الإجماعات المنقولة أو المحصّلة ـ الحاصلة من ملاحظة حال السلف ـ أنّ ماهيّة الصلاة لابدّ فيها من النيّة والتكبير والقراءة والركوع والسجود وغيرها من الأجزاء المعلومة ، وشككنا في وجوب السورة وتعارضت فيه الأدلّة وتعادلت ، أو لم يقم هناك دليل على الوجوب بعد بذل الوسع ، وبقي عندنا احتمال الوجوب خاليا عن الدليل بحسب الظاهر ، متوقّفا على قيام دليل غير واصل إلينا ، فحينئذ يصحّ لنا نفيه بأصل البراءة وأصالة عدم الوجوب ، فإنّه يفيد وجوب الظنّ بالعدم ، ويحصل من مجموع المذكورات الظنّ بأنّ ماهيّة العبادة هو ما ذكرنا لا غيرها.
الثاني : أنّ من الأدلّة على حجّية أصالة البراءة هو استصحاب البراءة القديمة ، وهو بعينه جار في المقام ، إذ من البيّن أنّ التكليف بشيء ذي أجزاء تكليف في الحقيقة بأجزائه وإيجاب لها ، فإذا قال : «صلّ» وكانت الصلاة مركّبة من عشرين جزء كان ذلك تكليفا وإيجابا للإتيان بتلك الأجزاء ، وإلزاما للمكلّف بفعلها. فنقول : إذا تعلّق التكليف بمجمل وحصّلنا بعد الفحص عن أجزائه وشرائطه عدّة امور ولم نجد في الأدلّة ما يفيد اعتبار غيرها فإنّ لنا أن نقول : إنّه قد تعلّق التكليف بتلك الأجزاء يقينا وقد حصل الشكّ في تعلّقه بما يزيد عليها ، وقضيّة استصحاب البراءة السابقة البقاء على البراءة بالنسبة إلى تلك الزيادة ، فلا نخرج عن مقتضى البراءة القديمة إلّا بمقدار ما حصل من العلم بالتكليف ، فالاستصحاب المذكور دليل شرعي على نفي غيرها من الأجزاء والشرائط ، فيكون إثبات كلّ من الأجزاء والشرائط ونفيه حاصلا من دليل شرعي.