والحاصل : أنّ القسم الأوّل من الأحكام الوضعيّة خارج عن دائرة الجعل التشريعي استقلالا وتبعا ، والقسم الثاني منها قابل للجعل التبعي ، والقسم الثالث قابل للجعل الاستقلالي والتبعي ، والأظهر تعلّق الجعل الاستقلالي به.
ويرد عليه : أوّلا : أنّ لازم عدم تعلّق الجعل الشرعي لا أصالة ولا تبعا بالقسم الأوّل ـ أي السببيّة والشرطيّة والمانعيّة والرافعيّة للتكليف ـ خروج هذا القسم من أقسام الأحكام الوضعيّة ، فكيف يمكن أن ينطبق في مورد عنوان الحكم الوضعي ، ولا تكاد تناله يد الجعل تشريعا لا أصالة ولا تبعا ، وما يكون خارجا عن المقسم كيف يمكن أن يكون داخلا في أحد الأقسام؟
وثانيا : أنّه وقع الخلط في كلامه في المراد بالتكليف وتخيّل أنّه هنا بمعنى إيجاب المولى وجعله ، لا بمعنى كون الشيء واجبا.
توضيح ذلك : أنّه قد يقول : شيء كذا سبب لوجوب الصلاة ـ مثلا ـ وقد يقول : شيء كذا كان سببا لإيجاب المولى وجعله الصلاة واجبة ـ مثلا ـ نقول : إنّ تحقّق المصلحة الملزمة في الصلاة صار سببا لإيجابها ، وتحقّق المفسدة الملزمة في شرب الخمر صار سببا لتحريمه ، وهكذا سائر الامور الدخيلة في جعل المولى ، وهذا خارج عن بحث السببيّة للتكليف هنا ؛ إذ لا يقول أحد أنّ المصلحة الملزمة شرط التكليف.
والمراد من السببيّة والشرطيّة للتكليفيّة هنا كما يستفاد من قوله تعالى : (لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) هو شرط كون الشيء واجبا أو كونه فريضة ، إلهيّة ، ومعلوم أنّ شرطيّة الاستطاعة وسائر الشرائط لا ترتبط بالجعل التكويني ، بل تستفاد هذه الشرطيّة من القرآن الكريم ،
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.