أنّ المقنّن العرفي إذا حكم بنجاسة الدّم لا يكون موضوعها إلّا ما يفهمه العرف مفهوما ومصداقا ، فلا يكون اللون دما عنده وليس موضوعا لها ، كذلك الشارع بالنسبة إلى قوانينه الملقاة إلى العرف ، فالمفهومات عرفيّة وتشخيص مصاديقها أيضا كذلك (١).
ولكن عرفت خروج هذا المثال عن محلّ البحث ؛ لأنّ للواسطة العقليّة ـ أي مسكريّة هذا المائع ـ حالة سابقة وجوديّة ، وتكون قابلة للاستصحاب بالاستقلال ويترتّب عليه الحرمة بدون الاحتياج إلى استصحاب الخمريّة ، ومحلّ البحث فيما لا يكون الأثر العقلي قابلا للاستصحاب مستقلّا.
ثمّ إنّ الشيخ الأنصاري رحمهالله ذكر مثالين لخفاء الواسطة بقوله : «منها : ما إذا استصحب رطوبة النجس من المتلاقيين مع جفاف الآخر ، فإنّه لا يبعد الحكم بنجاسته مع أنّ تنجّسه ليس من أحكام ملاقاته للنجس رطبا ، بل من أحكام سراية رطوبة النجاسة إليه وتأثّره بها بحيث يوجد في الثوب رطوبة متنجّسة.
ومن المعلوم أنّ استصحاب رطوبة النجس الراجع إلى بقاء جزء مائيّ قابل للتأثير لا يثبت تأثّر الثوب وتنجّسه بها» (٢).
ويرد عليه : أنّ الواسطة بالنظر العرفي الدقيق جليّة ؛ إذ العرف يلتفت بأدنى تأمّل إلى أنّ السّراية مؤثّرة في تنجّس الملاقي لا الرطوبة ، ومعلوم أنّ السّراية لازم عقلي للرطوبة ، فلا يمكن إثبات الأثر المترتّب على السراية باستصحاب الرطوبة ، وهذا من موارد الاصول المثبتة.
هذا بالنسبة إلى مثاله الأوّل ، وأمّا مثاله الثاني فهو ما ذكره بقوله : «ومنها
__________________
(١) الاستصحاب : ١٥٨ ـ ١٥٩.
(٢) فوائد الاصول ٢ : ٧٨٣.