آخر ، وهو أنّه لا شكّ في مغايرة العنب والزبيب من حيث المفهوم عند العرف ، وأنّ قوله : «العنب إذا غلى يحرم» لا يشمل الزبيب قطعا ولا يكون متعرّضا لحكمه ، لا نفيا ولا إثباتا، والحكم الثابت لمفهوم لا يسري منه إلى مفهوم آخر ، ولكن بعد تحقّق مصداق العنب في الخارج وشموله الدليل المذكور نشكّ في أنّ بعد مضى الأيّام عليه وتبدّل حالة رطوبته باليبوسة ، وصدق عنوان الزبيب عليه ، فنقول : هذا الموجود كان إذا غلى يحرم ، هل يكون في هذه الحالة العارضة أيضا كذلك أم لا؟ والعرف يحكم ببقاء الموضوع واتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة إن قلنا بأخذ الموضوع من العرف ، بخلاف ما إذا قلنا بأخذه من لسان الدليل.
كما في قوله : «الماء المتغيّر نجس» ؛ إذ الحكم لا يتعدّى من العنوان المأخوذ في لسان الدليل قطعا عند العرف ، وهو «الماء المتغيّر» ، ولكن إذ زال تغيّره من قبل نفسه فلا يشمله الدليل عرفا ، إلّا أنّ العرف بعد الشكّ في بقاء نجاسة هذا الماء يحكم بتحقّق الاتّحاد بين القضيّتين ، ويجري استصحاب النجاسة ، فالمتّبع في اتّحاد القضيّتين وعدمه هو نظر العرف دون العقل ولسان الدليل ، ولا يخفى أنّ العرف قد يحكم بتوسعة الموضوع كما في الأمثلة المذكورة ، وقد يحكم بتضييقه كما في مسألة الوجوب والاستحباب ؛ إذ العقل يقول بأنّ الاستحباب مرتبة ضعيفة من مراتب البعث والطلب ، والوجوب مرتبة شديدة منها ، والعرف يقول بتباينهما كمال المباينة ، فلا يتحقّق الاتّحاد بينهما.
المقام الثاني : أنّه لا إشكال ولا خلاف في عدم جريان الاستصحاب مع قيام الأمارة على طبق الحالة السابقة أو على خلافها ، بل يجب العمل بها ، وإنّما الكلام في وجه تقديم الأمارة على الاستصحاب ، وأنّه من باب التخصيص