أنّ موضوع الدليل هو العنوان حقيقة ، لكن العرف تخيّل موضوعا آخر غير موضوع الدليل بل أعمّ منه ، ويكون الموضوع الحقيقي غير باق والموضوع التخيّلي باق ، فيستصحب ـ مثلا ـ ما ثبت بالدليل للعنب إذا صار زبيبا ؛ لبقاء الموضوع واتّحاد القضيّتين عرفا (١).
ويرد عليه : أنّ بعد عدم شمول الدليل للزبيب عرفا إن كان التخيّل العرفي والارتكاز بحدّ صار بمنزلة القرينة الصارفة لظهور الدليل فيشمله نفس الدليل ولا مجال للاستصحاب ، وإن لم يكن بهذا الحدّ فلا يكون مؤثّرا في بقاء الموضوع في باب الاستصحاب.
ولكنّ المحقّق النائيني رحمهالله التزم بأنّ موضوع الدليل عين الموضوع العرفي ، وأنّه لا وجه للمقابلة بينهما ، فإنّ مفاد الدليل يرجع بالأخرة إلى ما يقتضيه نظر العرف ؛ لأنّ المرتكز العرفي يكون قرينة صارفة عمّا يكون الدليل ظاهرا فيه ابتداء ، فلو كان الدليل ظاهرا بدوا في قيديّة العنوان وكانت مناسبة الحكم والموضوع تقتضى عدمه ، فاللازم هو العمل على ما تقتضيه مناسبة الحكم والموضوع ، لأنّها بمنزلة القرينة المتّصلة فلم يستقرّ للدليل ظهور على الخلاف ، فالمقابلة بين العرف والدليل إنّما هي باعتبار ما يكون الدليل ظاهرا فيه ابتداء ، مع قطع النظر عن المرتكز العرفي ، وإلّا فبالأخرة يتّحد ما يقتضيه مفاد الدليل مع ما يقتضيه المرتكز العرفيّ (٢). انتهى.
والتحقيق : أنّ بين أخذ الموضوع من العرف وأخذه من لسان الدليل يتحقّق كمال الفرق ولكن لا بالطريق المذكور في كلام صاحب الكفاية رحمهالله بل بطريق
__________________
(١) كفاية الاصول ٢ : ٣٤٧ ـ ٣٤٩.
(٢) فوائد الاصول ٤ : ٥٨٥ ـ ٥٨٦.