إنّما الكلام في علّة تقدّمه عليها ، وأمّا تقدّمه على البراءة العقليّة وقبح العقاب بلا بيان فيكون من باب الورود ؛ إذ مع وجود دليل الاستصحاب يتحقّق البيان ولا يبقى مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
وهكذا تقدّمه على الاحتياط يكون من باب الورود ، فإنّ دليل أصالة الاحتياط هو لزوم دفع العقاب المحتمل عقلا ، كما إذا كان مقتضى الاشتغال وجوب صلاة الظهر والجمعة في عصر الغيبة ، ومقتضى الاستصحاب عدم وجوب صلاة الظهر في عصر الغيبة ، فيكون نفس اعتبار الاستصحاب ووجود دليله بمعنى أنّه لا مجال لاحتمال العقوبة على ترك صلاة الظهر ، فلا يبقى مجال لحكم القاعدة بلزوم الاحتياط.
وهكذا تقدّمه على أصالة التخيير يكون من باب الورود ؛ لأنّها مبنيّة على عدم إمكان الاحتياط ، ودوران الأمر بين المحذورين كالوجوب والحرمة ، وعدم وجود مرجّح لأحدهما في البين ، كما إذا دار أمر صلاة الجمعة في عصر الغيبة بين الوجوب والحرمة فيحكم العقل بالتخيير بينهما ، وإذا كان مقتضى الاستصحاب وجوبها في هذا العصر فيكون دليل الاستصحاب مرجّحا لناحية الوجوب ، فإذا كان وجوده بعنوان المرجّح وصالحا للمرجّحيّة لا يبقى مجال لحكم العقل.
وأمّا تقدّمه على الاصول الشرعيّة العمليّة كالبراءة الشرعيّة وأصالة الإباحة وأصالة الطهارة فنرى بعد ملاحظة أدلّتها أنّ العلم اخذ فيها بعنوان الموضوع أو بعنوان الغاية ، كقوله في دليل أصالة الحلّيّة : «كلّ شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبدا حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه» (١) ، ومعناه : أنّ كلّ شيء غير معلوم الحرمة يكون محكوما بالحلّيّة ، وقوله في دليل قاعدة
__________________
(١) الوسائل ١٢ : ٥٩ ، الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به ، الحديث ١.