على الاستصحاب بملاك الورود ، فإنّ مفاد دليل الاستصحاب أنّه «لا تنقض الحجّة بلا حجّة ، بل انقضها بحجّة اخرى» ، ونفس وجود الرواية المعتبرة وتحقّقها في مقابله حجّة ، فلا يبقى مجال لقوله : «لا تنقض الحجّة بلا حجّة» ، فهذا التقدّم يكون على نحو الورود ، فكما أنّ تقدّم دليل حرمة شرب التتن على قاعدة قبح العقاب بلا بيان يكون تقدّما وروديّا ، كذلك تقدّم دليل حجّيّة الخبر على دليل الاستصحاب ، فلا يكون الورود شعبة من شعب الحكومة بخلاف ما ذكره الإمام رحمهالله (١).
ومن هنا علم الفرق والمغايرة بين الورود والحكومة والتخصّص ، بأنّ الحكومة تتحقّق بين الدليلين الواجد لتعرّض خصوصيّة والفاقد له ، ولا منافاة بينهما وملاك تقدّم الدليل الحاكم هو تعرضه لها ، والورود أيضا يتحقّق بين الدليلين إلّا أنّ ملاك التقدّم لا يرتبط بدلالة اللفظ ، بل لا يبقى مجال للدليل المورود مع وجود الدليل الوارد تعبّدا.
وأمّا التخصّص فلا يتحقّق بين الدليلين ، بل المولى إذا قال : «أكرم العلماء» نعلم بخروج الجهّال منه تخصّصا وتكوينا ، سواء كان للجهّال حكم أم لم يكونوا محكومين بحكم.
وأمّا في مقام تعارض سائر الاصول مع الاستصحاب فلا خلاف في تقدّمه عليها ، فلذا قالوا : إنّ الاستصحاب عرش الاصول وفرش الأمارات ، بلا فرق بين كون سائر الاصول شرعيّا محضا ، مثل : أصالة الإباحة وأصالة الطهارة ، أو عقليّا محضا ، مثل : أصالة التخيير وأصالة الاشتغال والاحتياط ، أو شرعيّا وعقليّا معا ، مثل : أصالة البراءة.
__________________
(١) الاستصحاب : ٢٣٦.