لم يتعرّضه الدليل الآخر ، كما في تقديم الدليل الحاكم على المحكوم ، بلا فرق بين أن يكون الدليل الحاكم أقوى ظهورا منه أم لا؟ مع عدم ملاحظة نسبة العموم والخصوص وسائر النسب بينهما لا يتصوّر ملاكا ثالثا للتقدّم ، فلا بدّ من جعل الورود شعبة من شعب الحكومة ، وأنّ ثمرتها قد تكون عبارة عن التخصيص ، وقد تكون عبارة عن التقييد ، وقد تكون عبارة عن الورود ، ومعناه : نفي موضوع الحكم تعبّدا بمعونة الدليل الشرعي ، لا تكوينا كما ذكره استاذنا السيّد الإمام رحمهالله (١).
والتحقيق : أنّ حصر الملاك بالنسبة إلى ظهورات الأدلّة ودلالاتها بهذين الملاكين لا شبهة فيه ولا كلام ، ولكن يمكن أن يتصوّر ملاك ثالث خارجا عن هذا المقسم ، وهو أن يكون وجود الدليل المقدّم موجبا لأن لا يبقى مجال للدليل المؤخّر بدون الارتباط باللفظ والدلالة والظهور اللفظي ، مثل : تقدّم قول الشارع بحرمة «شرب التتن» ـ مثلا ـ على قاعدة قبح العقاب بلا بيان والبراءة العقليّة ، فإنّ نفس وجود الدليل على الحرمة مصداق للبيان ، ومعه لا يبقى مجال للقاعدة ، وهذا ما نسمّيه بالورود كما أشار إليه استاذنا السيّد الإمام رحمهالله في ذيل كلامه (٢).
فيكون ملاك التقدّم في باب الورود ملاكا آخر غير مرتبط بالظهورات اللّفظيّة ؛ إذ يمكن أن يتحقّق بين الدليلين اللفظيّين أو بين الدليلين اللّبّيين أو بين الدليل اللفظي والدليل اللبّي ، فإذا كان مفاد الاستصحاب وجوب صلاة الجمعة في عصر الغيبة ، ومفاد رواية معتبرة عدم وجوبها ، يكون تقدّم الأمارة
__________________
(١) الاستصحاب : ٢٣٦.
(٢) الاستصحاب : ٢٣٨.