وأمّا ما ذكره في دليله الثاني ـ من استلزام جريان الاستصحاب في المسبّب التخصيص في ناحية المسبّب ، واستلزام التخصيص للدور المحال ـ فليس بصحيح ، فإنّ فرديّة كلّ من المصداقين للعموم لا يتوقّف على شيء ؛ إذ فرديّة نقض اليقين بالشكّ في ناحية المسبّب أمر وجداني ، نقول : «هذا الثوب كان نجسا ، الآن مشكوك النجاسة» ، فيجرى الاستصحاب فيه ، وهكذا في ناحية السبب ، فالقول بارتباط فرديّة أحدهما بالآخر أمر يكذّبه الوجدان ، فلا يلزم الدور. فهذا الطريق ليس بتامّ.
والتحقيق في المقام يحتاج إلى بيان مقدّمة ، وهي : أنّ مفاد قوله : «لا تنقض اليقين بالشكّ» هو التعبّد ببقاء المستصحب ، بلا فرق بين استصحاب الأحكام واستصحاب الموضوعات ، فإن كان الشكّ في الأحكام مثل وجوب صلاة الجمعة ـ مثلا ـ فمعنى استصحابها الحكم ببقاء صلاة الجمعة تعبّدا ، وإن كان الشكّ في الموضوعات ـ كالشكّ في خمريّة مائع ـ فمعنى استصحابها الحكم ببقاء الخمرية ، تعبّدا ، ولا يستفاد منه حرمته ، وإن كان محكوما بالحرمة لا بدّ من دليل آخر ، فإثبات الخمريّة بدليل الاستصحاب وإثبات الحرمة بقوله : «كلّ خمر حرام» ـ مثلا ـ وقد عرفت ممّا ذكرناه أنّ نسبة قوله «لا تنقض اليقين بالشكّ» وقوله «كلّ خمر حرام» نسبة الحاكم والمحكوم ، فإنّ مفاد الحكم بأنّ مستصحب الخمريّة خمر ، وهذا تعرّض وتنقيح لموضوع «كل خمر حرام» ، فيكون حاكما عليه.
والحاصل : أنّ جريان الاستصحاب في الموضوع لا يكون معناه ترتيب الأثر والحكم ، بل معناه التعبّد ببقاء الموضوع ، كما أنّ استصحاب الحكم ـ كالوجوب ـ معناه التعبّد ببقاء الوجوب في زمان الشكّ ، وأنّ الحكم ببقاء