هو الأخذ بمقتضى لا تنقض تخييرا وبالأدلّة المرخّصة كذلك ، وبمثل : «أنقذ الغريق» ، فالمحذور فيها إنّما هو من إطلاق تلك الأدلّة ، فلا بدّ من رفع اليد منه لا من أصلها (١).
ويرد عليه : أوّلا : أنّ الإطلاق الشامل لأطراف العلم الإجمالي المستلزم للمخالفة العمليّة القطعيّة في دليل الاستصحاب يمكن أن لا يتحقّق.
وثانيا : أنّ التخيير العقلي في المتزاحمين ليس كالتخيير الشرعي في الواجبات الشرعيّة ؛ فإنّ ترك الواجب التخييري ـ كترك الخصال الثلاث من كفّارة الإفطار ـ لا يوجب تعدّد استحقاق العقوبة ، بل العقوبة فيه واحدة كترك الواجب التعييني ، بخلاف المتزاحمين ؛ إذ العقل يحكم بأنّ العبد إذا اشتغل بإنقاذ كلّ غريق يكون معذورا في ترك الآخر ؛ لكونه في حال صرف قدرته لإنقاذه عاجزا عن إنقاذ الآخر ، وأمّا إذا تركهما معا فلا يكون معذورا في واحد منهما ؛ لكونه مكلّفا بكل واحد ومعاقب بهما ؛ لكونه قادرا على كلّ واحد ، فلا يتحقّق هنا واجبان مشروطان وأنّ وجوب إنقاذ كلّ منهما مشروط بعدم وجوب إنقاذ الآخر حتّى يكون لازم ذلك استحقاق عقوبة واحدة كالواجب التخييري الشرعي.
والحاصل : أنّ ما ذكره ـ من أنّ المحذور في قوله : «أنقذ الغريق» وسائر الأدلّة ناشئ من إطلاقها ، ومع صرف النظر عن الإطلاق وتبديله بالتقييد يرفع المانع ـ ليس بصحيح ، وأنّ المحذور في عدم تطبيق «أنقذ الغريق» في ما نحن فيه فبعد بطلان أدلّة التخيير يبقى التساقط بلا معارض ، فمقتضى القاعدة في تعارض الاستصحابين هو التساقط.
__________________
(١) درر الفوائد : ٤٥٩.