قلت : فإن كان كلّ رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما ، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟ الحديث.
وذكر هنا المحقّق الرشتي رحمهالله شواهد لاختصاص التنازع في الشبهات الحكميّة والرجوع إلى الحاكم بعنوان المفتي لا بعنوان القاضي بأنّ اختيار الحاكمين من طرف المتنازعين قد يكون المقصود صدور حكم واحد منهما معا ، وقولهما : حكمنا كذا ، وقد يكون المقصود حكم واحد منهما ومعاونة الآخر له في مقدّمات الحكم تحرّزا عن الاشتباه في الحكم ، وقوله : حكمت كذا ، وقد يكون المقصود صدور أصل الحكم من أحدهما وإنفاذه من الآخر ، والأخيران خلاف ظاهر الرواية ، والأوّل خلاف صريحها ، فلا بدّ من حمل الحكم فيها بالمعنى اللغوي ـ أي الفتوى ـ وكان الفتوى في زمان صدور المقبولة بمعنى نقل الرواية ، فالاختلاف بين الرجلين كان في الشبهة الحكميّة واختار كلّ منهما رجلا (١).
ولكن بعد ملاحظة صدر الرواية لا يبقى مجال لهذه التأويلات ؛ إذ لا يعقل منازعة رجلين من أصحابنا في حكم من الأحكام الإلهيّة ومراجعتهما لحلّ النزاع في الشبهة الحكميّة إلى السلطان أو القاضي المنصوب من قبل السلطان ، ولعلّه لم يلاحظ صدر الرواية بلحاظ تقطيعها في كتاب الوسائل كما ترى.
مضافا إلى أنّه لا وجه للتنازع في الشبهات الحكميّة ؛ إذ لو فرض كونهما مجتهدين لا معنى لرجوعهما إلى مجتهد آخر ، فإنّ المجتهد يخطّئ من يقول بخلافه وإن كان المخالف أعلم منه ، وإن فرض كونهما مقلّدين ـ والمقلد تابع لنظر مرجعه ومقلّده ـ فلا مجال لتنازعهما ، فالتحاكم إلى السلطان يكون في الشبهات
__________________
(١) الفروع الكافي ٧ : ٤١٢.