يشرّع الشارع حكما ضرريا ، سواء كان حكما تكليفيّا أو وضعيّا ، فلم يشرّع الشارع الوضوء الضرري ، والصوم الضرري ، ولم يحكم باللزوم في المعاملة الغبنيّة مثلا ، ولكنّ البحث في أنّ المجاز هنا من قبيل استعمال اللفظ الموضوع للمسبّب في السبب ـ أي لم يجعل الشارع ما هو سببا للضرر ـ أو أنّه من المجاز في الحذف والتقدير ، أو إرجاعه إلى حقيقة ادّعائيّة ، كما ذكره السكّاكي في الاستعارة وبعض في جميع المجازات ، والتحقيق في محلّه.
والتزم عدّة من الأعاظم بأنّ استعمال قوله : «لا ضرر ولا ضرار» استعمال حقيقي بدون ارتكاب أيّ نوع من المجاز والعناية كالمحقّق الحائري والنائيني رحمهالله والعراقي رحمهالله ، وذكر كلّ منهم وجها للمدّعى ، إلّا أنّ الوجوه متقاربة ، والمفصّل منها ما ذكره المحقّق النائيني رحمهالله فإنّه ذكر للمدّعى مقدّمات ثمّ استفاد منها الاستعمال الحقيقي ، ولكن لا بدّ لنا من نقل بعضها على نحو الاختصار :
منها : أنّه قال : لا فرق بين حديث «لا ضرر ولا ضرار» وحديث الرفع ، فإنّ ما تعلّق به الرفع من الواقعيّات الخارجيّة المتحقّقة ففي بادي النظر لا يمكن نسبة الرفع إليها حقيقة ، فلا بدّ من القول بارتكاب المجاز ، وأنّ المؤاخذة في التقدير كأنّه قال : «رفع المؤاخذة على ما لا يعلمون ، ورفع المؤاخذة على ما استكرهوا عليه» وأمثال ذلك.
ولكنّ الرفع في عنوان الحديث بحسب الدقّة والتأمّل رفع انشائي في عالم التشريع ، لا في مقام الإخبار والحكاية عن الواقعيّات الخارجيّة وتختلف العناوين المتعلّق بها الرفع التشريعي ، فإنّ رفع بعضها يكون بنفسه ، مثل : «ما لا يعلمون» إذا كان الموصول بمعنى الحكم المجهول ، فالمرفوع في عالم التشريع حقيقة هو الحكم المجهول بحسب الحكم الظاهري لا بعنوان الحكم الواقعي ،