ولا يخفى أنّ اختلاف الاستعمال لا يرتبط بالوضع ، بل يرتبط بالمداليل السياقيّة ، وأنّ سياق الكلام قد يقتضي الإخباريّة إذا وقع في الجواب عن السؤال ، وقد يقتضي الإنشائيّة إذا وقع في مقام النقل والانتقال ، ويمكن اجتماع الإنشائيّة والإخباريّة في جملة واحدة بلحاظ خصوصيّات المورد ، فلا مانع من الالتزام بذلك في قوله : «لا ضرر» ، وأنّ المدلول السياقي فيه يختلف بحسب اختلاف الموارد ، وكون «لا» نافية في كثير من الموارد وناهية في بعض الموارد ، وهذا لا يوجب أن لا يكون الاستعمال حقيقيّا.
ثمّ قال بعد ذكر المقدّمات : إنّ أصوب الوجوه في معنى «لا ضرر» أنّه ينفي الحكم الضرري على نحو الحقيقة بدون أيّ نوع من المسامحة والتجوّز.
ثمّ قال : لا يتوهّم أنّ للضرر في الواقعيّات الخارجيّة عنوانين : أحدهما العنوان الأوّلى الأصلي ، والآخر العنوان الثانوي المتولّد والمسبّب من الأوّل ، إذا تحقّق الضرب ـ مثلا ـ في الخارج ، فالضرب عنوان من العناوين الأوّليّة ، والعنوان المسبّبي المتولّد منه عبارة عن الضرر إن كان معنى «لا ضرر» النفي على نحو البسيط في قبال النفي المركّب ـ أي كان مثل «ليس زيد» لا مثل «ليس زيد بعالم» ـ فيرتبط النفي بالامور التكوينيّة بمعنى توجّهه إلى الأفعال التي لها عنوانان ، والعنوان الثانوي المتولّد من العنوان الأوّلي عبارة عن الضرر ، فينطبق في الشرعيّات بعنوان المجازي لا بعنوان الحقيقي.
فإنّا نقول : هذا توهّم فاسد ؛ لانطباق ما ذكر بعينه في الشرعيّات بأنّ لزوم عقد البيع ولو في المعاملة الغبنيّة عنوان أوّلي ، والعنوان الثانوي المتولّد منه هو الضرر ، وهكذا في إيجاب الوضوء ـ مثلا ـ إن كان ضرريّا ، ولا فرق بينهما إلّا أنّ نفس الحكم واللزوم في المعاملة الغبنيّة مستلزم للضرر بدون أيّ واسطة في