الضرر المطلق ، ولا نفي الحكم الضرري ، بل الضرر الموصوف بوصف والمقيّد بقيد ، وهو كونه غير متدارك ، فإن كان الضرر متداركا مثل تدارك العباء المغصوب بالمثل أو القيمة ، فلا يتحقّق الضرر ، فكلّ ضرر غير متدارك في الإسلام منفي لتداركه بالمثل أو القيمة أو الأرش.
ثمّ استشكل عليه بأنّ مجرّد إيجاب المثل أو القيمة أو الأرش لا يوجب تدارك الضرر في الخارج ، وما يتدارك به الضرر واقعا يمكن أن لا يتحقّق للعصيان والنسيان ، فكيف يمكن نفي حقيقة الضرر (١)؟!.
وقال المحقّق شيخ الشريعة الاصفهاني رحمهالله : إنّ قوله : «لا ضرر» يدلّ على النهي عن الضرر ، كأنّه قال : «لا يجوز في الإسلام أن يضرّ رجل رجلا» ، وهذا المعنى يستفاد من الأذهان العرفيّة الخالية عن الشبهات ومن الاستعمالات الكثيرة ، مثل قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(٢) ، والمعنى : أنّه لا يجوز الرفث ولا يجوز الفسوق ، ولا يجوز الجدال في الحجّ ، ومثل الرواية الواردة في باب السبق والرماية أنّه : «لا سبق إلّا في خفّ أو حافر أو نصل» (٣) ، يعنى لا تجوز المسابقة في غير هذه الثلاثة ، ومثل قوله : «لا غشّ بين المسلمين» (٤) ، ونحو ذلك ، مضافا إلى أنّ كلمة «على مؤمن» في ذيل بعض الروايات لا يكون متناسبا مع النفي ، وإلّا يكون معناه جواز المعاملة الغبنيّة إذا كان المغبون كافرا ذمّيّا ، والحال أنّ اشتراك الكافر والمسلم في الأحكام لا إشكال فيه ، وهذا دليل على كون «لا» ناهية.
__________________
(١) رسائل فقهيّة : ١١٤.
(٢) البقرة : ١٩٧.
(٣) الكافي ٥ : ٤٨ ـ ٥٠.
(٤) سنن الدارمي ٢ : ٢٤٨.