مناطه بنظر العقل بحيث يبقى حكم الشرع بحاله مع انتفاء بعض خصوصيّات المستصحب بخلاف حكم العقل ؛ فإنّه يدور مدار الخصوصيّات المشخّصة عنده بقاء وعدما ، ونحن نستصحب الحكم الشرعي لا العقلي ، فلا منافاة بين بقاء الحكم شرعا وانتفائه عقلا.
ويرد عليه : أنّ فرض الكلام فيما استكشفنا الحكم الشرعي من الحكم العقلي بقاعدة الملازمة ، ومعلوم أنّ الخصوصيّة دخيلة في حكم العقل بقاء وعدما ، ومع انتفائه ينتفي حكم العقل ، فكيف يتصوّر بقاء الحكم الشرعي المستفاد منه بقاعدة الملازمة مع القطع بانتفاء حكم العقل لانتفاء الخصوصيّة؟ فلا يحتمل أن يكون مناط الحكم الشرعي الكذائي أوسع من مناط الحكم العقلي.
نعم ، يمكن أن يتحقّق هنا حكم شرعي آخر ذا مناط أوسع غير مناط الحكم العقلي ، ولكنّه مشكوك الحدوث ، فلا مجال للاستصحاب هنا.
وكان لاستاذنا السيّد الإمام قدسسره تحقيق جامع في المقام ، وهو قوله (١) : «والتحقيق في المقام أن يقال : إنّه لو سلّمنا أنّ العناوين المبيّنة المفصّلة ـ التي يدرك العقل مناط الحسن أو القبح فيها ـ إنّما تكون في نظر العقل مع التجرّد عن كافّة اللواحق والعوارض الخارجيّة ، حسنة أو قبيحة ذاتا ، فلا يمكن أن يشكّ العقل في حكمه المتعلّق بذلك العنوان المدرك مناطه.
ولكن تلك العناوين الحسنة والقبيحة قد تصدق على موضوع خارجي ؛ لأنّ الوجود الخارجي قد يكون مجمع العناوين المتخالفة ، فالعناوين المتكثّرة الممتازة في الوجود العقلي التحليلي قد تكون متّحدة غير ممتازة في الوجود
__________________
(١) الاستصحاب : ١٥.