فإن قلت : إنّ مراده أنّ المقام من دوران الأمر بين المحذورين لتردد الأمر في الزمان المشكوك بين وجوب الجلوس ووجوب الخروج ، وفي مثله لا محل لقاعدة الاشتغال على ما هو مسلّم مقرر في محله.
قلت : مع أنّ هذا المعنى خلاف ظاهر كلامه بل خلاف صريحه حيث صرّح بأنّ وجوب الاحتياط معارض بوجوب الاحتياط ، فيه أنّ ذلك حيث يكون الاحتمالان في عرض واحد كتردد الشيء المعيّن بين أن يكون واجبا أو حراما مع العلم بأحدهما ، وهذا بخلاف ما نحن فيه فإن التكليف الثاني أعني وجوب الخروج في طول الأول أي وجوب الجلوس ، والعلم الاجمالي المتحقق هنا كأنه ينحل إلى العلم التفصيلي بوجوب الجلوس المتعلق بالمكلف قطعا والشك البدوي بوجوب الخروج ، إذ لم يعلم تعلقه بعد للشك في وجود الزوال الذي هو شرطه. وبعبارة اخرى أحد الاحتمالين مجرى أصالة الاشتغال دون الآخر ، ولا أثر للعلم الاجمالي إذا كان أحد طرفيه مجرى أصل من الاصول دون الآخر ، فتدبّر.
قوله : مثل أصالة عدم الزوال (١).
اورد عليه وعلى أصالة عدم حدوث التكليف بالخروج بأنّهما من الاصول المثبتة التي لا نقول بها ، فإنّ عدم الزوال لا يترتّب عليه وجوب الجلوس إلّا بالملازمة العقلية بينه وبين بقاء وقت الواجب ، وكذا في أصالة عدم حدوث التكليف بالخروج فإنه لا يترتّب عليه وجوب الجلوس إلّا بحكم العقل بأنّ رفع أحد الضدّين لا ينفك عن وجود الضد الآخر.
وقد يجاب في الأول بأنّ الواسطة خفية فإن عدم الزوال وبقاء الوقت في نظر أهل العرف شيء واحد وحكم أحدهما يعدّ حكما للآخر عرفا ، وهذا نظير
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ١٨٠.