وبالجملة : إشكال سيد المناهل أنه يلزم في ميزان الاستصحاب وجود أمر ثابت محقق في السابق بالجزم واليقين ويشك في بقائه ، وهاهنا ليس كذلك لأنّ التحريم على تقدير غليانه هذا أعني في حالة كونه ماء الزبيب ليس بمتيقن بل مشكوك فيه من الأول ، فلا شيء هنا يمكن استصحابه ، فانحصر صحة تصوير الاستصحاب التعليقي في الحكم المشروط الذي لا يتعقله المصنف فكأنه تكلّم على غير مذاقه ، بل نقول إنّ ما جعله سليما عن الإشكال من استصحاب الملازمة أيضا لا يتم على مذاقه من إنكاره للأحكام الوضعية وارجاعها إلى الأحكام التكليفية ، وقد عرفت حال الحكم التكليفي الذي يمكن أن ينتزع منه هذا الوضع أعني الملازمة وهو الحرمة على تقدير الغليان في المثال.
ثم إنه قد أورد بعض المحققين على استصحاب الملازمة أعني سببية الغليان للحرمة بأنّ استصحابها مثبت ، لأنّ الحكم شرعا مترتب على وجود سببه لا على سببيته له ، وإنما يترتب عليها مع وجود السبب فعلا فافهم ، انتهى.
وفيه : أنّ استصحاب السببية كاف في ترتّب الحكم لا يحتاج إلى أمر آخر ، وليس هذا إلّا كاستصحاب الطهارة لترتيب حكم صحة الصلاة عليها ، ولا يمكن أن يقال إنّ الصحة مترتبة على الطهارة ووجود الصلاة لا الطهارة وحدها ، وحلّه : أنّ معنى الملازمة المستصحبة أنه إذا غلا يحرم ، كما أنّ معنى استصحاب الطهارة أنه لو صلّى في هذا الحال تصح صلاته ، فترتّب المسبّب على وجود السبب مأخوذ في لسان الدليل ليس شيئا خارجا عنه فتدبّر.
قوله : والثاني فاسد لحكومة استصحاب الحرمة على تقدير الغليان على استصحاب الاباحة (١).
أورد عليه : بأنّ الاباحة بعد الغليان وعدمها ليسا من آثار الحرمة على
__________________
(١) فرائد الاصول ٣ : ٢٢٣.