لها ما للحكم الواقعي من المراتب الأربع ، أوّلها المقتضي ، ثانيها انشاؤه والخطاب واقعا به ، ثالثها البعث والزجر ، رابعها التنجّز واستحقاق العقوبة على مخالفته عقلا ، فيكون الآتي بها في حال الغفلة آتيا بما هو تكليفه فعلا وإن كان معذورا على تقدير الإخلال لعدم تنجّزه مع هذا الحال. وبالجملة يترتّب على الحكم بها ما للحكم في المرتبة الثالثة وإن لم يصل إلى الرابعة ولم يتنجّز لفقد شرائطه.
وأمّا إذا كانت الوظيفة المجعولة على النحو الثاني فلا يكاد أن يكون له بعد مرتبة انشائه والخطاب به إلّا مرتبة واحدة يعتبر في البلوغ إليها ما يعتبر في بلوغ الحكم إلى المرتبة الرابعة ، فلا يترتّب عليها بدونه ما هو المرغوب منها من تنجّز الواقع والعقاب على مخالفته في صورة إصابتها والعذر عن مخالفته على تقدير عدم الاصابة مع موافقتها ، ولو قلنا باستحقاق العقوبة في صورة مخالفتها تجرّيا كما حقّقناه أو مخالفة وعصيانا كما قد احتملناه في البحث ، ضرورة أنّ هذه الآثار لا يكاد أن يترتّب عليها إلّا بعد الاطّلاع عليها بأطرافها تفصيلا أو إجمالا ، ولا يكاد أن يوجد أثر آخر يترتّب عليه بدونه ولم يكن مترتّبا على انشائه ومجرّد الخطاب به واقعا ، انتهى.
قلت : ننقل الكلام إلى نفس هذه المقدّمة فإنّ فيها مواقع للنظر : منها أنّ ما جعله في القسم الأوّل وظيفة مقرّرة للجاهل إن أراد به أنّ الجاهل ليس مكلّفا بالواقع الأوّلي أصلا فيكون الواقع الأوّلي تكليف العالمين به ويكون العالم والجاهل على هذا كالمسافر والحاضر موضوعين مختلفين لكلّ منهما حكم واقعي واحد ، فلا كرامة في عدّ حكم هذا الجاهل من أقسام وظيفة الجاهل فإنّه في عرض سائر الأحكام الواقعية سواء ، وإن أراد أنّه مكلّف بتكليفين واقعيين أحدهما في طول الآخر بأن يكون الواقع الأوّلي كسائر الأحكام الواقعية شاملا له من حيث كونه غير مقيّد بالعلم والجهل وله حكم واقعي آخر مقيّد بالجهل بالحكم