الأوّل ، فلازمه أنّه لو أتى بالواقع الأوّلي اتّفاقا بوجه من الوجوه دون الثاني كان معاقبا على تركه ، ولو أخلّ بهما عمدا عن تقصير كان معاقبا على ترك كلّ منهما وهذا كلّه كما ترى.
ومنها : أنّ الأمثلة التي مثّل بها للقسم الأوّل لم يتّضح كونها من قبيله ولا شاهد له ، بل قد عرفت ممّا قدّمنا في أواخر رسالة أصل البراءة أنّ الجاهل في الأمثلة المذكورة ليس مكلّفا إلّا بالواقع الأوّلي ليس إلّا ، ووجه كفاية غير المأمور به عنه أنّه مشتمل على معظم مصالح المأمور به ، وبعد إدراكه بفعل الصلاة الناقصة لا يبقى محلّ لإدراك المصلحة التامّة بل لا يمكن إدراكها بعده ، وقد مرّ هناك شواهد هذا المطلب وكيفية استظهاره من الأدلّة ببيان مستوفى.
ومنها : أنّ المراتب الأربع التي جعلها للحكم ممّا لا نعقل كونها من مراتب الحكم ، أمّا المرتبة الاولى أي المصلحة المقتضية للحكم فواضح أنّها ليست من مراتب الحكم ، أمّا أوّلا : فنحن نتكلّم على مذهب الأشاعرة (لعنهم الله) المنكرين لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد. لا يقال إنّ هذا المذهب فاسد عندنا لا يمكن بناء الأمر عليه ، لأنّا نقول لا كلام في أنّ الحكم حتّى على مذهبهم أمر معقول متحقّق من دون تحقّق المراتب الأربع.
وأمّا ثانيا : فنقول سلّمنا توقّف الحكم على ثبوت المقتضي كما هو مذهب العدلية إلّا أنّه من مقدّماته ، وليس كلّ ما يتوقّف عليه الحكم يعدّ من مراتب الحكم وإلّا عدّ وجود الباري عزّ اسمه وصفاته من مراتب الحكم ، وأمّا المرتبة الأخيرة وهي مرتبة التنجّز فقد قدّمنا غير مرّة أنّ التنجّز بحكم العقل وهو متأخّر عن الحكم بعد تماميته ، فإنّ العقل بعد ملاحظة ثبوت الحكم وتحقّق العلم به يحكم بصحّة العقاب على مخالفته وترتّب الثواب على موافقته ، ولا وجه لعدّ كلّ ما يترتّب على الحكم ويلحقه من مراتب الحكم ، وحينئذ يبقى المرتبتان المتوسّطتان.