والتحقيق أنّ مرتبة البعث والزجر أيضا ليس مرتبة للحكم ، بل حقيقة الحكم ليس إلّا الانشاء والخطاب فقط ، وأمّا أنّ حقيقته نفس الإرادة أو غيرها فلسنا بصدده هاهنا بل المقصود منع المراتب المدعاة للحكم ، وبيان ذلك : أنّ المعني بالحكم ليس إلّا ما هو مفعول للحاكم في مقام الجعل والتشريع وهذا أمر يحصل بمجرّد الانشاء ، وأمّا البعث أو الزجر فلا ربط له بفعل الحاكم بل هو ممّا يتحقّق عقيبه لو علم به المكلّف ولا يتحقّق لو جهله ، وإن شئت توضيحه فلاحظ أحكام الموالي إلى العبيد منّا إذ لا تفاوت بينها وبين أحكام الشارع فيما نحن بصدده ، فإنّه لو أمر المولى عبيده بأن يخاطبهم ويقول لهم افعلوا كذا وفرض أنّ بعض العبيد فهموا خطابه وعلموا بحكمه وبعضهم لم يفهموه وغفلوا عنه فلا ريب أنّ الحكم الصادر عن المولى بالنسبة إلى جميعهم سواء ، وليس شيء ممّا يرجع إلى المولى وينسب إليه قد حصل بالنسبة إلى العالمين منهم ولم يحصل ذلك بالنسبة إلى جاهليهم ، فما يرى من حصول البعث والزجر بالنسبة إلى الفاهم دون الغافل فإنّما هو أمر يرجع إلى جانب المكلّف وحاله من العلم أو الغفلة دون الآمر ، وعلى هذا فلا ينبغي أن يعدّ البعث أو الزجر من مراتب الحكم.
ومنها : أنّه لا نجد فرقا بين القسم الأوّل والثاني بالنسبة إلى المراتب التي فرضها ، فإنّ حال البعث والزجر وكذا التنجّز عند العلم وعدمها عند الجهل فيهما على حدّ سواء ، غاية الأمر أنّ العقاب المترتّب على المخالفة في القسم الثاني إنّما يترتّب إذا خالف الحكم الواقعي أيضا ومع عدمها فليس إلّا التجرّي ، وهذا لا يقتضي أن يكون ثبوت أصل الحكم متوقّفا على العلم.
إذا تمهّد ذلك فنقول : إنّ الأحكام الشرعية وبعبارة اخرى المجعولات الشرعية أعمّ من أن تكون أحكاما واقعية كقوله صلّ ولا تشرب الخمر أو اصولا وأمارات كقوله (عليهالسلام) : «لا تنقض اليقين بالشكّ» وخبر الواحد حجّة مثلا