وسيرة العلماء من زمن الصحابة إلى يومنا ، ويومئ إليه جملة من الأخبار (١) الدالة على أنّ الحديث مثل القرآن فيه عام وخاص وناسخ ومنسوخ ومحكم ومتشابه ، وربما ينسب الخلاف هنا إلى الشيخ الطوسي (رحمهالله) حيث قدّم الترجيح على مثل الجمع المذكور مطلقا ولكن قدّم الجمع على التخيير ، وإلى صاحب الحدائق حيث قدّم الترجيح على الجمع بين النص والظاهر أو الأظهر والظاهر في غير العام والخاص والمطلق والمقيّد مستندا إلى أنه لا شاهد لهذا الجمع في الأخبار ، وإلى المحقق القمي أيضا على ما استظهر من بعض كلماته ، ولعله لأنّ مذهبه البناء على مطلق الظن كيف ما حصل أين ما كان ، فربما يحصل من الظاهر بملاحظة رجحان السند دون النص أو الأظهر ، وكيف كان لا ريب في ضعف ذلك كله يظهر وجهه مما ذكرنا.
بقي أمران ، أحدهما : أنه قد يكون الدليلان ظاهرين ليس أحدهما نصا أو أظهر من الآخر إلّا أنّ المفهوم منهما عرفا عند اجتماعهما وتعارضهما معنى ثالث مخالف لظاهرهما جميعا ، وهذا الجمع أيضا مقدّم على الترجيح. الثاني : أنه قد يكون النص أو الأظهر صارفا للظاهر عن ظاهره لكن لا يتعيّن به المراد من الظاهر بل يبقى مرددا بين معنيين أو أزيد من دون ترجيح بينها ويبقى اللفظ مجملا ، وربما تترتّب عليه فائدة ، والمصنف يرى أنه لا معنى لوجوب التعبّد بالخبر والحكم باجماله أو طرحه وسيأتي الكلام فيه.
ثم إنه قد يكون الدليلان متباينين ظاهرا لكن يكون أحدهما نصا في بعض مدلوله ظاهرا في البعض الآخر والآخر بالعكس ، فيطرح ظاهر كل منهما بنص الآخر كما لو ورد أكرم العلماء في جواب السؤال عن عدول العلماء فإنه نص في
__________________
(١) الكافي ١ : ٦٢ / باب اختلاف الحديث ، بحار الأنوار ٢ : ١٨٥.