فيقدّم النص على الظاهر كما في نظائره. ويؤيّد المختار بل يدل عليه أنّ أخبار التخيير أظهر دلالة وأكثر عددا وأبعد عن التأويل ، وما مر من حملها على زمان الغيبة بعيد في الغاية ، ضرورة كون مقام السؤال والجواب كالنص في بيان الحكم الفعلي بالنسبة إلى السائل لا حكم من يأتي بعد مائة سنة أو أزيد ، هذا كله. مضافا إلى أنّ عمل المشهور على أخبار التخيير والترجيح منهم لم يكن إلّا عن مستند صحيح يبعد خطائهم فيه. وبالجملة فمن مجموع ما ذكر يطمئن الفقيه أنّ المرجع في المسألة أخبار التخيير دون أخبار التوقف والاحتياط.
ثم لا يخفى أنّ من لم يترجح عنده أخبار التخيير أو التوقف وحصل التكافؤ عنده يرجع إلى الأصل في المسألة أعني في مسألة التعارض ، فإن كان الأصل عنده أصالة التخيير يتخيّر بين الأخذ بأخبار التخيير (ويحكم بالتخيير بين الأخذ بكل من الخبرين في المسألة الفرعية فيوافق المختار في هذه الصورة من حيث العمل) أو الأخذ بأخبار التوقف فيخالف ، إلّا أن يجعل التخيير استمراريا فيمكن الموافقة أيضا ، وإن كان الأصل عنده التساقط يرجع إلى الأصل في المسألة الفرعية ، وإن كان الأصل عنده الوقف يتوقف ويرجع إلى الأصل الموجود في المسألة الاصولية أعني في مقام الأخذ بالحجة دون الأصل في المسألة الفرعية ، وقد ذكرنا سابقا أنه بناء على الوقف يرجع إلى الأصل المطابق لأحد المتعارضين دون الأصل المخالف لهما ، والظاهر أنه لا أصل هنا مطابقا لأحدهما ، لأنّ كلا المتعارضين هنا مخالف للأصل ، إذ الأصل عدم الوقف والاحتياط ، وكذا الأصل عدم التخيير لأنّ التخيير يقتضي حجية كلا الخبرين والأصل عدمها ، فلا مناص إلّا أن يحكم بالتخيير بين الطائفتين من أخبار الباب إمّا أن يختار الأخذ بأخبار التوقف أو يختار الأخذ بأخبار التخيير ، وذلك لأنّ أصالة الوقف مبنية على أنّ المتعارضين وإن لم يكونا حجتين فعليتين في مدلولهما المطابقي لكنّهما حجتان